قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ (استجارك) أي استأمنك فأجبه إلى طلبته (حتى يسمع كلام الله) أي القرآن تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله (ثم أبلغه مأمنه) أي وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه (ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) أي إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله في عباده. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال: إنسان يأتيك ليسمع ما تقول، وما أنزل عليك، فهو آمن حتى يأتيك، فتسمعه كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء، ومن هنا كان رسول الله - ﷺ - يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدًا، أو في رسالة كما جاء يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش: منهم عروة بن مسعود ومكرز بن حفص وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدًا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله - ﷺ - ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم وأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
والغرض أنّ من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة، أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب، وطلب من الإمام أو نائبه أمانًا، أعطى أمانًا، مادام مترددًا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه،
لكن: قال العلماء: لا يجوز أن يمكّن من الإقامة في دار الإسلام سنة، ويجوز أن يمكّن من إقامة أربعة أشهر، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولان عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله (١)
ثالثًا: لا يؤاخذ البريء بجريرة المذنب

(١) ١- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ٢/٢٣٧


الصفحة التالية
Icon