وإذا كان (لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهبًا، وأكثرُها ألفاظًا) كما قال الشافعي(١) فإن القرآن الكريم حوى أفصحها، وأعذبها، وأشرفها، كما قال الراغب الأصفهاني: (ألفاظ القرآن هي لُبّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحُثالة والتِّبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة)(٢)، وقال الخطابي: (إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه…) إلى أن قال: (واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أصح المعاني)(٣)، ثم قال: (واعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة)(٤).
(٢) مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني: ٥٥.
(٣) بيان إعجاز القرآن، للخطابي: ٢٧.
(٤) المصدر السابق/٢٩.