ومما يدل على أثر القرآن الكريم في زيادة الثروة اللغوية ما نسمعه من الأئمة وغيرهم في دعاء القنوت وغيره من الأدعية الكثيرة التي يدعون بها مما وردت في القرآن الكريم.
ومما يدل أيضًا على أثر القرآن في زيادة الثروة اللغوية ما يلحظ من استعمال عوام الناس لألفاظ القرآن الكريم وتعبيراته في كلامهم، من ذلك مثلاً قولهم: صم بكم، في مقام عدم الاستجابة وقصور الفهم. وقولهم: والصلح خير، في مقام الدعوة إلى الصلح. وقولهم: ما على الرسول إلا البلاغ، حين يبلغون ما يستثقله المخاطب ويعترض عليه. وقولهم: ذهب هباء منثورًا، وطامة كبرى، ولا يسمن ولا يغني من جوع، وقاب قوسين، وما على المحسنين من سبيل، وأن تعفوا أقرب للتقوى، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، والذكرى تنفع المؤمنين، وإن بعض الظن إثم، والإنسان على نفسه بصيرة، ويخلق ما لا تعلمون، وغيرها كثير(١).
ويُذكر في هذا المقام القصة المشهورة عن المتكلمة بالقرآن، التي تُروى عن عبد الله بن المبارك مع عجوز لا تجيب عن أسئلته إلا بجمل أو آيات من القرآن، فلما سأل أبناءها عن شأنها قالوا: هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن؛ مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن. قال ابن المبارك: فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(٢).
وبغض النظر عن جواز الفعل -إن صحت القصة- فإن هذه العجوز لم تكن لتنطق بالقرآن وتستحضره في كل أجوبتها إلا لملازمتها له تلاوةً وحفظًا. وفي رد ابن المبارك اقتباس من القرآن.

(١) ينظر في بعض هذه وغيرها: أثر القرآن في لغة العوام، لأحمد باكو المحامي: ١٢٦.
(٢) ينظر: المستطرف في كل فن مستظرف، للإبشيهي: ١/٩٩.


الصفحة التالية
Icon