لئن كانت الفصاحة تهدف إلى الوضوح والإفهام، فإن البلاغة تهدف إلى عرض القول الفصيح بأسلوب يكون به حسن الإفادة وقوة التأثير، وحينما تتكون لدى المرء القدرة على التعبير البليغ فإنه بذلك قد أمسك بزمام الملكة اللسانية، وبلغ غايتها. وقد قال الرسول - ﷺ -: «إِنَّ مِن الْبَيَانِ لَسِحْرًا»، ولهذا الحديث قصة تبين أثر الكلام البليغ في النفوس، رواها البخاري (٥٧٦٧) عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله - ﷺ -:«إِنَّ مِن الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أو: إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ». قال ابن حجر: (قال الخطابي: البيان اثنان: أحدهما: ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان. والآخر: ما دخلته الصنعة، بحيث يروق للسامعين، ويستميل قلوبهم، وهو الذي يشبه بالسحر، إذا خلب القلب، وغلب على النفس، حتى يحول الشيء عن حقيقته، ويصرفه عن جهته، فيلوح للناظر في معرض غيره. وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح، وإذا صرف إلى الباطل يذم)(١).

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر: ١٠/٢٣٧، شرح الحديث ذي الرقم (٥٧٦٧).


الصفحة التالية
Icon