فالحال -أياً كانت- لها أثر كبير في التعبير، وفي التصوير، وفي اختيار الألفاظ والأساليب.
والله - عز وجل - قد حث أصحاب رسوله - ﷺ - على أن يخاطبوه بغير ما يخاطبون به غيره من الناس، فقال سبحانه: ؟ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ؟ الآية [النور: ٦٣]. وفرق بين أن يقولوا: يا محمد، وأن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، مراعاة لمقامه - ﷺ -.
وقد عيب على بعض الأدباء تقصيره في رعاية المقام، كما عابوا على أبي تمام قوله:
يا أبا جعفرٍ جُعِلتُ فِداكَ…بَزَّ حُسنَ الوجوهِ حُسنُ قَفَاكَا
قال حازم القرطاجني: (القفا ليس يليق إلا بطريقة الذم، وكذلك الأخدع والقذال، فاستعمال هذه الألفاظ في المدح مكروه)(١).
وعابوا على المتنبي قوله في أم سيف الدولة:
رِواقُ العِزِّ فَوقَكِ مُسْبَطِرٌّ…ومُلكُ عليٍّ ابنِكِ في كَمالِ
قال حازم: (فلفظة ”مسبطر“ بعد قوله للمرأة: ”فوقك“ قبيحة)(٢).
وعيب على البحتري قوله في مطلع قصيدة له:
فُؤَادٌ مَلاهُ الحزنُ حتى تَصَدَّعا
فإن الذي يقرع سمعه هذا المعنى الحزين في بدء القصيدة لن يشك لحظة في أن الشاعر يرثي، ولكن الحقيقة أنه في مقام مدح، ولكنه لم يحسن الابتداء المناسب للمقام(٣).
ومدح ذو الرمة عبد الملك بن مروان، فقال في مفتتح قصيدته يخاطب نفسه:
ما بالُ عَينِكَ مِنها الماءُ يَنسَكِبُ
ويقال: إن عبد الملك كانت عينه دائمة الدمع، فقال له: وما سؤالك عن هذا؟ فكرهه، وأمر بإخراجه(٤).
(٢) المصدر السابق: ١٥١، ومعنى مسبطر: ممتد.
(٣) ينظر: المثل السائر، لابن الأثير: ٣/١٢٢.
(٤) ينظر: العمدة، لابن رشيق: ١/٢٢٢، والمثل السائر، لابن الأثير: ٣/١٢١.