ويرد هنا قصة الأصمعي قال: كنت أقرأ: السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله، قال: أعد، فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله، فتنبهت، فقرأت: ؟ واللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ ؟ [المائدة: ٣٨]، فقال: أصبت، هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، فقلت: فمن أين علمت أني أخطأت ؟ فقال: يا هذا، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع(١). ويحكى عن الفرزدق أنه سمع رجلاً يقرأ: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، فقال: لا ينبغي أن يكون هذا هكذا، قال: فقيل له: إنما هو ؟ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ ؟ قال: هكذا ينبغي أن يكون(٢).
المبحث الرابع: التعبير المهذب
من السمات البارزة في الأسلوب القرآني التنزه عن الفحش والبذاء واللفظ القبيح والتصريح بما يستحيا من ذكره، وإذا احتاج أن يعبر عن المعنى الفاحش والموقف الهابط فإنما يصورهما ويعبر عنهما بلفظ شريف؛ يصيب الغرض، ولا يثير الفحش، ولذا (جاء الخطاب الإلهي ساميًا، يدعو إلى التهذيب، ويتسم بالاحتشام والرفعة)(٣)، (وهذا يدل على النهوض بالنفس البشرية، وإبعادها عن الابتذال؛ لأن الحياة السوية مطلب القرآن الكريم)(٤).
وقد اتخذ القرآن أساليب عديدة لمثل هذا التعبير، كالمجاز والتشبيه والكناية والتعريض والتلويح والإشارة والإيماء وغير ذلك(٥).
(٢) ينظر: الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني: ٧/٧٣٠.
(٣) جماليات المفردة القرآنية، لأحمد ياسوف: ٢٦٨.
(٤) المصدر السابق: ٢٥٥.
(٥) ينظر: المصدر السابق: ٢٥٥-٢٦٨، وصناعة الكلام، لمحمد كشاش: ٨١-٩٧.