ولا يتم فقه الوحيين والاستنباط منهما والاجتهاد فيهما إلا به، فكان معرفته فرضًا وشرطًا للاجتهاد، قال شيخ الإسلام: (إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور، عن عمر بن زيد، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن، فإنه عربي" وفي حديث آخر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم". وهذا الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله)(١).
ولا يدرك الإعجاز القرآني إلا بمعرفة اللسان العربي، قال الباقلاني: (إن من كان من أهل اللسان العربي، إلا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام، ووجوه تصرف اللغة، وما يعدونه فصيحًا بليغًا بارعًا من غيره، فهو كالأعجمي في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن)(٢).
وإن من شأن اللسان العربي عند أهل الإسلام عناية أهل العلم به في مصنفاتهم، حيث عقدوا أبوابًا في فضله، والحث على تعلمه، والإنكار على من رغب عنه، أو لحن فيه. تجد ذلك في كتب التفسير والحديث والأصول والآداب والأدب وغيرها(٣).

(١) المصدر السابق: ١/٤٧٠.
(٢) إعجاز القرآن، للباقلاني: ١١٣.
(٣) تتبع الدكتور أحمد الباتلي مظان الحديث عن اللغة العربية وما روي فيها في كثير من المصنفات المطبوعة، وأثبتها في كتابه "الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية: ١٥-٢٠" فليرجع إليه.


الصفحة التالية
Icon