ثم تأتي الدعوة إلى الخروج في طلب الفقه والنّفرة إليه، ومفارقة الأهل والوطن من أجله لتحيي في المتعلم الرغبة فيه، وتُوقد الحماس في نفسه، وتذلل الصعاب في طريقه، قال تعالى: ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [سورة التوبة: ١٢٢]. فليس هناك أشق على النفس من ترك الأهل والوطن، غير أن ذلك يهون حين يجل المقصد وتعظم المنفعة ويتعدى الخير إلى المجتمع.
وفي الأمر بالتدبر لآيات القرآن الكريم والتفكر في بيناته وأحكامه والأمر باتباعه، التأكيد التام على ما يحظى به التفقه من أولوية في حياة المسلم، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ [سورة صّ: ٢٩]، وقال :﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الأعراف: ٣] ولا يتم ذلك إلا بالتفقه، ومعرفة الأحكام الشرعية.
ويجد القارئ للقرآن والمتعلم له ما يطلعه على حاجته الماسة والحقيقية إلى العناية بتفهم ما يمر به من الآيات، التي غلبت فوائدها ونكتها قوة الحفظ، وأخذت بحظ وافر من الثقل(١)، كما قال سبحانه :﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ [المزمل: ٥] وتتعاظم المسؤولية إزاء ذلك، حين يجد نفسه مطالبً بالاقتداء بمعلم الفقه الأول، فلا يرى مناصاً من السير في ركابه والأخذ بسنته وهديه ومتابعة أمره، ومواصلة الجهد في سبيل نيل المزيد من الفقه، استجابة لأمر الله تعالى :﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب: ٢١].