من رحمة الله تعالى بهذه الأمة، أن جعل القرآن الكريم - المحفوظ بحفظ الله- وسيلتها الكبرى إلى فهم الدين ومعرفة أحكامه، وهيأ لها سبل الفقه فيه. فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة، إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها(١). قال تعالى: ﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبياننا لكل شيئ ﴾ [النحل: من الآية٨٩] وهذه الأحكام: منها ما هو مُبيّن يستقل بنفسه في الكشف عن المراد دون افتقاره في معرفة المراد إلى غيره، سواء أفاد بمنطوقه أو بمفهومه. ومنها ما هو مُجمل، لا يعقل معناه من لفظه ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره (٢). لكن في السنة ما يوضحه ويجليه، ويفصّل ما أجمل في لفظه، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: من الآية٤٤].
وكما جاء عن المِقْدام بن مَعْدي كَرب، أن النبي - ﷺ - قال: (ألا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) (٣). وفي رواية :(ألا إن ما حرَّم رسولُ الله مثل ما حرم الله) (٤).
مما أغلق الباب أمام تقوّلات المتقوّلين وابتداع الضالين وتخرصات المفتونين، وأتاح للأمة مورداً صافياً من كدر الأهواء وعوج الآراء؛ وجعله العصمة من بوادر الزيغ والانحراف إلى أن تقوم الساعة.
المطلب الأول : أثر تعلم القرآن الكريم في إيجاد البيئة الفقهية
(٢) ينظر: الشافعي، الرسالة ٢١، ٣٢، والطبري، التفسير ١/٨٢، والخطيب، الفقيه والمتفقه ١/٧٤.
(٣) أخرجه أبو داود في السنن رقم٤٦٠٤، وأحمد في المسند ٤/١٣١، والطبراني في الكبير ٢٠/٦٦٨، والدارقطني في السنن ٤/٢٨٧ بإسناد حسن.
(٤) أخرجه الترمذي في الجامع رقم ٢٦٦٤، وأحمد في المسند ٤/١٣٢، والطبراني في الكبير ٢٠/٦٤٩، والحاكم في المستدرك ١/١٠٩ وصححه ووافقه الذهبي.