التكلف، ومجانبة الاستبداد وإطلاق اللسان بلا علم(١)، كما يتعود على الصبر على مرارة الطلب ومشقة الإعادة والتكرار، ودفع غائلة الطيش والعجلة (٢).
إلى جانب ما يفيض الله عليه من الطمأنينة والسكينة، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، وطهارة القلب والوجدان، قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: من الآية٥٧].
وفي الحديث، عن البراء أن النبي - ﷺ -، قال:(إنها السكينة نزلت عند القرآن)(٣).
وفي هذا ما يُهيئ للمتعلم القدرة على التفقه، ويذلل له سبل العلم والمعرفة، ويسهم في تفجير طاقاته واستخراج ذخائره ومكنوناته، والجود بمواهبه وقدراته.
المطلب الثاني : وسائل معرفة الأحكام الفقهية في القرآن الكريم
يعد حفظ القرآن الكريم من الدعائم الكبرى التي يتوسل بها إلى فهم القرآن ومعرفته والإلمام بأحكامه؛ ولذلك كان السلف يوجهون صغارهم إلى حفظه منذ وقت مبكر.
قال أبو عمر بن عبدالبر (ت٤٦٣هـ) : أول العلم حفظ كتاب الله جل وعز وتفهمه، ولا أقول أن حفظه كله فرض، ولكن أقول أن ذلك واجب لازم على من أحب أن يكون عالماً (٤).
وإذا تعذَّر ذلك، فإنه لا أقل لمن شاء الفقه في القرآن أن يحفظ آيات الأحكام(٥).

(١) ينظر: الخطيب، الفقيه والمتفقه ٢/١٦٥، ١٧٠، ١٨٤.
(٢) ينظر: ابن المنادي، متشابه القرآن ٢٢٧، وابن القيم، التبيان ١١٧.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح ٣٦١٤، ومسلم في الصحيح رقم ٧٩٥، وأحمد في المسند ٤/٢٨١.
(٤) ابن عبدالبر، جامع بيان العلم ٢/٢٠٤، وانظر ما سبق في المبحث الأول.
(٥) اختلف العلماء في عدد آيات الأحكام، فقيل أنها خمس مائة آية، وقيل: أنها مائتا آية. ينظر : ابن قدامة، الشرح الكبير ٢٨/٣٠٧، والفتوحي، شرح الكوكب المنير ٤/٤٦٠، وصديق خان، نيل المرام من تفسير آيات الأحكام ١٣.


الصفحة التالية
Icon