وهذه المقاصد في حقيقتها لا تخرج عن جلب المصالح ودرء المفاسد (١) والمتعلم للقرآن الكريم يجد فيه من التنبيه على ذلك، والأمر المؤكد بحفظ الضروريات ورعاية الحاجيات والتكميليات، ما يبلغ المئين من المواضع (٢).
فيتربى على العناية بها والاهتمام بشأنها والنظر إليها بعين الاعتبار، ويكشف له عن معالم الفقه الكبرى التي تقوي ملكته وتُعينه على حسن النظر وجودة الاختيار، دون أن يفتات على النص أو يخرج عن دائرة القياس (٣)، أو يدفع بهذه المقاصد في وجه الدليل. فليس هناك ثمة مصلحة أعظم من تقديم الدليل والانصياع لحكمه والطاعة المطلقة لأمر الله وأمر رسوله، قال تعالى :﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: من الآية٧١].
المسألة الثانية: أثر تعلم القرآن الكريم في معرفة القواعد الفقهية:
في القرآن الكريم العدد الجم من القواعد الفقهية (٤)، التي تعين على تنظيم الفقه واستشراف آفاقه، وتُطلع المتفقه على مآخذ الفقه وتجمع له منثور المسائل (٥) وتيسر له سُبل القياس. فمن ذلك القواعد الكبرى بأسرها: فقاعدة اليقين لا يزول بالشك(٦) مأخوذة من قوله تعالى :﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾ [يونس: من الآية٣٦].
(٢) ينظر: ابن القيم، مفتاح دار السعادة ٢/٣٤، وينظر : ابن العربي، القبس ١٦/١١٩.
(٣) ينظر: ابن تيمية، المجموع ١١/٣٤.
(٤) القواعد الفقهية : حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات كثيرة. ينظر: الباحث (القواعد الفقهية عند الحنابلة) ٤٨.
(٥) ينظر: ابن رجب، تقرير القواعد ٣.
(٦) ينظر: السبكي، الأشباه والنظائر ١/١٣.