إن الفرق الشائع بين لغة القرآن الكريم وغيرها من أنماط اللغة، وأقربها الأدبية، هو أن اللغة القرآنية كلها بلاغة وإعجاز من أول آية في القرآن الكريم حتى آخر آية فيه. أما اللغة الأدبية التي تعتبر أكثر اللغات ثراء بالبلاغة، فلا تتعدى العبارات البلاغية فيها نسبة النصف في أحسن الحالات، كما في الشعر مثلاً. هنا إذاً تكمن الصعوبة. قد يفلح المترجم في مقارعة بعض العبارات البلاغية في النص البشري، لكنه لا يتسنى له ذلك في نص رباني كله بلاغة. لذا لا نرى ضرورة لضرب مزيد من الأمثلة، فكل آية مترجمة مثال.
... يستثنى من ذلك الصور البيانية التي اختار كلا المترجمين آربري وسيل أن يترجماها ترجمة حرفية، فكانا محقين في ذلك نظراً لقدسية اللغة القرآنية التي ينبغي الحفاظ عليها. وهذه مسألة تخرج على نظرية الترجمة استثناءً. عادة ينصب اهتمام المترجم على نقل الصور البيانية والاستعارات والتعابير الاصطلاحية وغيرها من لغة البلاغة والبيان التي لمعظمها جذور ثقافية، إلى اللغة الأخرى بما يتناسب وتعابيرها المرادفة التي تعبر عن ثقافتها. فعلى سبيل المثال عادة ما تترجم الأمثال إلى أمثال في اللغة الهدف مرادفة لها ونابعة من ثقافة أهلها، كترجمة (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) بـ: ﷺ fox is not taken twice in the same snare، ومصائب قوم عند قوم فوائد بـ: One Man's meat is another man's poison، كلا المثالين يترجم الواحد منهما الآخر في اللغة الأخرى، على الرغم من اختلاف الثقافة والصورة والكلمات؛ لأنهما يعبران عن المعنى المقصود نفسه في كل لغة. إذاً هنا ينظر إلى اللغتين، الأصل والهدف، والثقافتين على أنهما متساويتان، فلا غالب ولا مغلوب، ولا تابع ولا متبوع (راجع غزالة: ٢٠٠٢).


الصفحة التالية
Icon