٥- في حال توقع المترجم استمرار الغموض في الصورة البيانية أو الثقافية، ولم يفلح أي من الحلول السابقة، أو لم يقتنع بأي منها، بإمكانه اللجوء إلى حاشية لتوضيح الغموض باختصار. إن خصوصية لغة القرآن الكريم تضع أي مترجم في موقف صعب وتفرض عليه التزاماً أخلاقياً عظيماً بضرورة الالتزام بالنص العربي الأصل دائماً ومن دون استثناءات؛ لئلا يحصل تلاعب في طريقة التعبير والمضمون وفتح الباب للفروق الثقافية والبيانية والمجازية بشكل عام. وهذا ما حصل تماماً عندما فتح يوجين نايدا وتابر(Nida and Taber) (١٩٦٩م) الباب لترجمة الإنجيل -وهو من وضع البشر- إلى ثقافات الشعوب المختلفة مع التضحية بثقافة الأصل؛ بحجة تيسير الفهم على ذوي الثقافات المختلفة عن الثقافة اللاتينية الأوربية؛ بغية إحداث تأثير في نفس قرائها، مما أطاح بالبقية الباقية من قدسية الإنجيل، وأدى إلى ظهور عدد من الأناجيل أكبر مما كانت عليه. فالإنجيل أناجيل من قبل هذا أصلاً. انطلق نايدا وتابر في ترجمتهما للإنجيل من فكرة ادعاء أنها جديدة-وما هي بجديدة كما يقول دينيس ستامب (Stamp) (١٩٩٣م)، وشولت وبيجنيت (Schulte and رضي الله عنiguenet) (١٩٩٢م) وغيرهم- تقوم على تصنيف ما سمياه (المطابقة الشكلية) (formal equivalence) على أنه مفهوم قديم جامد، واقترحا بديلاً عنه ما اصطلحا على تسميته (بالمطابقة المتحركة)(dynamic equivalence)، وحيَّدا لغة الإنجيل من أي قدسية أو خصوصية، ونظرا إليها على أنها لغة كأي لغة من لغات النصوص الأخرى. وركزا في ترجمتهما على فهم فحوى الرسالة المقصودة وأنه على المترجم إعادة صياغة جوهر هذه الرسالة (أو فحواها) بحيث تكون ذات وقع مؤثر على المتلقي. بعبارة أخرى، يلغَى أي وجود للأصل كلغة لها مقوماتها النحوية والأسلوبية والدلالية والبلاغية والثقافية، ويحل محلها هذا الترادف المتحرك المؤثر الذي يُحدث وقعاً قوياً على المتلقي الذي يستجيب للأوامر


الصفحة التالية
Icon