١٤- أسلوب الدقة والترجمة الحرفية:
... يقصد بالدقة في الترجمة الوفاء بالنص الأصل وفاء تاماً وعدم الخروج عنه أو عليه لأي سبب كان. والمقصود بالدقة هنا، كما يقول مايكل دوران (Durand) (١٩٩٣م) وغيره كثير من منظري الترجمة وعلمائها، ليست إشارة إلى الكلمات فحسب بل إلى الأسلوب والقواعد أيضاً (أي الجمل والعبارات الفعلية والعبارات الاسمية والزمن، والتقديم والتأخير، والتوكيد، والمبني للمجهول والمبني للمعلوم، والتكرار، والإطناب، والترادف والتنويع اللفظيين، ودرجة الفصاحة، والمحسنات البديعية والإيقاعات الصوتية، وما إلى ذلك). عادة أمام المترجم بشكل عام خياران عند ترجمته أي نص: (١) إما أنه لا يلتزم بالنص الأصل فيخرج عنه، أو يزيد عليه وينقص منه، أو يخرج عليه، وبذلك تنتفي الدقة والأمانة من ترجمته، (٢) أو يلتزم بالنص الأصل بحذافيره بحسب ما تسمح به معايير اللغة المترجم إليها وقواعدها ومفرداتها وأسلوبها، وبذلك تتحقق الدقة والأمانة. بعبارة أخرى، تعني الدقة احترام النص الأصل والتقيد به والوفاء له، مما يقتضي بالضرورة احتراماً ووفاء لمؤلفه.
... القاعدة العامة في الترجمة هي الدقة في نقل المعنى ما استطاع المترجم إلى ذلك سبيلاً. لكن تتفاوت درجة الدقة بتفاوت أنماط النصوص في المقام الأول. وتعد النصوص الدينية أدق النصوص في الترجمة نظراً لحساسيتها وخصوصيتها ومكانتها بين الناس. وتختلف النصوص الدينية بدورها في درجة دقتها القصوى. ويعد القرآن الكريم الكتاب المقدس الوحيد الذي يستدعي الدرجة القصوى من الدقة في نقله إلى اللغات الأخرى؛ لسبب فريد يميزه عن أي كتاب مقدس آخر، ألا وهو أنه كلام الله. فإذا كنا مطالبين بالدقة في ترجمة كتب دينية حررها البشر، فالأولى بنا أن نطالب بالدقة المتناهية عند ترجمة القرآن العظيم، ولكن كيف تتحقق الدقة المتناهية؟


الصفحة التالية
Icon