والاستنكار ينبغي أن يكون بالنظر إلى الأصول والنصوص صريحة، لا بمجرَّد الذوق؛ لأن العقل لا يعارَضُ بالنصوص لقصوره وضعفه، وإن كان تصديق تلك المرويات من جهة الواقع محالٌ، لكنها قد تكون من باب المعجزات، فقد يثبت من أخبار الأمم السابقة والأنبياء ما يستغربه العقل المجرد لقصوره، فربما تجاسر على مثل هذه النصوص فردها وأنكرها من غير تثبت ونظر؛ ومن ذلك ما رواه البخاري في قصة موسى عليه الصلاة والسلام عند قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) [ الأحزاب : ٦٩ ] وذلك أنهم قد اتَّهموا في جسده فكان موسى عليه الصلاة والسلام حييًا ستيرًا، فلا يخرج من جسده، شيء عند غسله وذلك لشدة حيائه، فقالوا : ما يستَتِر هذا التستُّر إلا من عيب بجلده: إما برصٌ، وإما أُدْرَةٌ، وإما آفةٌ.
ثم ذهب ليغتسل، فوضع ثيابه على حجر؛ فلما فرغ من غسله ذهب إلى لباسه فهرب الحجر بلِبِاَسِهِ؛ فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، ويقول: ثوبي حجر ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى رآه بنوا إسرائيل على أجمل هيئة؛ فبرَّأه الله عز وجل مما قالوا، قال النبي ﷺ :(فأخذ يضرب موسى الحجر وإِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا ". وهذا مما قد يستنكره الإنسان في الظاهر، ولكن يقال: إن هذا مِن باب الإعجاز الذي أجراه الله عز وجل لنبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام.
ومع ذلك، فلا ينبغي التساهلُ في الإسرائيليات والحكايات، منها؛ فعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لأُبي بن كعب وقد كان يحدث عنهم: " لتتركن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة "؛ ومقصد عمر عدمُ التوسُّع لا مطلق الحكاية، وإلا فعمرُ ممن يسأل عن أخبار بني إسرائيل، فقد سأل أبيّاً، فقال: ما أول شيءٍ ابتدأه مِنْ خلقه ؟


الصفحة التالية
Icon