وبالقراءة بدأ الوحي، وهي أول ما سمع المصطفى - عليه السلام -، من المَلَك إيذاناً ببدء نبوته، وظهور رسالته، وفي هذا شرف للإسلام ولنبيه لا يدانيه شرف، وفيه إيذان بالنكير على سلطة طبقة [ رجال الدين ] في الأديان الأخرى، والتي ما زال كثير منها يُحرِم القراءة على أتباعه!!.
والله - جل جلاله - هو.. [ القارئ ] يقول تعالى :﴿.. فاذا قرأناه فاتَّبع قرآنه ﴾.
فنسب تعالى ما يتلوه جبريل - عليه السلام - إلى نفسه جلَّ وعلا، إضافةً للمُسَبَب إلى سببه، ثم أمر نبيه أن يتبع ما يتلوه جبريل عليه :﴿ فاتبع قرآنه ﴾.. أي : فاتبع مقروءه.
وفي موضع آخر يقول الحق - عز وجل - :﴿ فإذا قرأتَ القرآن فأستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾(١).
والقراءة هنا تجوُّزٌ إذا كانت من الصدور أو من السطور، فما كان رسول الله - ﷺ - قارئاً - ما هو معلوم.. وغير خافٍ -.
على أن القراءة في كتاب ملموس هو مطلوب الكفار.. قالوا :
﴿ ؟.. ولن نؤمن لِرُقيِّك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه.. ﴾(٢).
وقراءة المتيسر من القرآن في الصلاة - من غير تحديد - هو صريح منطوق الكتاب.. يقول تعالى :﴿ إنّ ربّك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وتُلُثَه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لّن تُحْصُوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن عَلِم أنْ سيكونُ منكم مرضى وآخرون يَضرِبون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فافرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة.. ﴾(٣).
على أن إطلاق صفة [ القراءة ] على القرآن هو كثير فيه.. فعلى المعنى الثاني للفظة [ قرأ ].. جمع، فإن القرآن كذلك.. فهو المجموع غير المتفرق، والمحفوظ غير المبدد، والمصون غير المضّيع.
(٢) الإسراء / ٩٣.
(٣) المزمِّل / ٢٠.