@ جالسا أجمل شيء وأحسنه منظرا وأتمه خلقا وأبدعه صورة فقال الرب تعالى لجميع ملائكته اسجدوا لآدم فبادروا بالسجود تعظيما وطاعة لأمر الواحد المعبود ثم قال لهم لنا في هذه القبضة من التراب شرع أبدع مما ترون وجمال باطن أحسن مما تبصرون فلتزيين باطنه أحسنه من زينة ظاهره ولنجعلنه من أعظم آياتنا نعلمه أسماء كل شيء مما لا تحسنه الملائكة فكان التعليم زينة الباطن وجماله وذلك التصوير زينة الظاهر في أكمل شيء وأجمله صورة ومعنى كل ذلك صنعته تبارك وتعالى في قبضة من تراب ثم اشتق منه صورة هي مثله في الحسن والجمال ليسكن إليها وتقر نفسه وليخرج من بينهما من لا يحصى عدده من الرجال والنساء سواه فصل
ثم لما أراد الله سبحانه أن يذر نسلهما في الأرض ويكثره وضع فيهما حرارة الشهوة ونار الشوق والطلب وألهم كلا منهما اجتماعه بصاحبه فاجتمعا على أمر قد قدر فاسمع الآن عجائب ما هناك
لما شاء الرب تعالى أن يخرج نسخة هذا الإنسان منه أودع جسده حرارة وسلط عليه هيجانها فصارت شهوة غالبة فإذا هاجت حرارة الجسد تحللت الرطوبات من جميع أجزاء الجسد وابتدأت نازلة من خلف الدماغ من عروق خلف الاذنين إلى قفا الظهر ثم تخرج إلى الكليتين ثم تجتمع في أوعية المني بعد أن طبختها نار الشهوة وعقدتها حتى صار لها قوام وغلظ وقصرتها حتى ابيضت وقدر لها مجاري وطرق تنفذ فيها ثم اقتضت حكمته سبحانه أن قدر لخروجها أقوى الأسباب المستفرغة لها من خارج ومن داخل فقيض لها صورة حسنها في عين الناظر وشوقه إليها وساق أحدهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة والمحبة فحن كل منهما إلى امتزاجه بصاحبه واختلاطه به ليقضي الله أمرا كان مفعولا وجعل هذا محل الحرث وهذا محل البذر ليلتقي الماءان على أمر قد قدر وقدر بينهما تلك الحركات لتعمل الحرارة في تلك الرطوبة والفضلة عملها واستخرجها من تحت الشعر والبشر والظفر لتوافق نسخة الأصل