اللغَة: ﴿يتفطَّرنْ) يتشققن، والفطور: الشقوق ومنه {هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣] ﴿فاطر﴾ خالد ومبدع ومخترع ﴿يَوْمَ الجمع﴾ يقوم القيامة لاجتماع الخلائق فيه ﴿أُمَّ القرى﴾ مكة المكرمة ﴿يَذْرَؤُكُمْ﴾ ينشئكم وكثِّركم ﴿مَقَالِيدُ﴾ مفاتيح جمع إقليد على غير قياس ﴿شَرَعَ﴾ بيَّن وسنَّ وأوضح ﴿كَبُرَ﴾ عظم وشقَّ ﴿يُنِيبُ﴾ يرجع ويتوب من ذنبه ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع في الريبة والقلق ﴿دَاحِضَةٌ﴾ باطلة وزائلة يقال: دحضت حجته أي بطلت، ودَحضت رجله أي زلقت.
التفسِير: ﴿حم عسق﴾ الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن، وإثارة انتباه الإِنسان بحروف أولية، وبدءٍ غير مألوف ﴿كَذَلِكَ يوحي إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ الله العزيز الحكيم﴾ أي مثل ما أوحى إليك ربك يا محمد هذا القرآن، أوحى إلى الرسل من قبلك في الكتب المنزلة، اللهُ العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي ما له ما في الكون مالكاً وخلقاً وعبيداً ﴿وَهُوَ العلي العظيم﴾ أي هو المتعالي فوق خلقه، المنفرد بالكبرياء والعظمة ﴿تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ﴾ أي تكاد السمواتُ يتشققن من عظمة الله وجلاله، ومن شناعة ما يقوله المشركون من اتخاذ الله الولد ﴿والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أي والملائكةُ الأبرار دائبون في تسبيح الله، ينزهونه عما لا يليق به ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض﴾ أي ويطلبون المغفرة لذنوب من في الأرض من المؤمنين قال في التسهيل: والآية عمومٌ يراد به الخصوص لأن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض، فهي كقوله تعالى ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [غافر: ٧] ﴿أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم﴾ أي ألاَ فانتبهوا أيها القوم إن الله هو الغقور لذنوب عباده، الرحيم بها حيث لا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وعصيانهم قال القرطبي: هيَّب وعظَّم جل وعلا في الابتداء، وألطف وبشَّر في الانتهاء ﴿والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾ أي جعلوا له شركاء وأنداداً ﴿الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي اللهُ تعالى رقيبٌ على أحوالهم وأعمالهم، لا يفوقه منها شيءٌ، وهو محاسبُهم عليها ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ أي وما أنت يا محمد بموكَّل على أعمالهم حتى تقسرهم على الإِيمان، إنما أنت منذرٌ فحسب ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي وكما أوحينا إلى الرسل قبلك أوحينا إليك يا محمد قرآناً عربياً معجزاً، بلسان العرب لا لبس فيه ولا غموض ﴿لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي لتنذر بهذا القرآن أهل مكة ومن حولها من البلدان قال الإِمام الفخر: وأمُّ القُرى أصلُ القرى وهي مكة، وسميت بهذا الاسم إجلالاً لها، لأن فيها البيت ومقام إبراهيم، والعربُ تسمي أصلُ كل شيءٍ أمه، حتى يقال: هذه القصيدة من أمهات قصائد فلان ﴿وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع﴾ أي وتخوّف الناس ذلك اليوم الرهيب، يوم اجتماع الخلائق للحساب في صعيدٍ واحد ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي لاشك في وقوعه، ولا محالة من حدوثه ﴿فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير﴾ أي فريقٌ منهم في جنات النعيم وهو المؤمنون، وفريق منهم في دركات الجحيم وهم الكافرون، حيث ينقسمون بعد الحساب إلى أشيقاء وسعداء كقوله تعالى
﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ


الصفحة التالية
Icon