اللغَة: ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ أصدقاء وأحباء جمع وليّ وهو الصديق والناصر والمعين ﴿يَثْقَفُوكُمْ﴾ يظفروا بكم ويتمكنوا منكم، وأصل الثقف الحذقُ في إِدراك الشيء وفعله، ومنه قولهم «رجلٌ ثقِف لقف» ثم استعمل في الظفر والإِدراك مطلقاً ﴿أُسْوَةٌ﴾ قدوة يقتدى به ﴿أَرْحَامُكُمْ﴾ جمع رحم وهو في الأصل رحم المرأة، واشتهر في القرابة حتى صار كالحقيقة فيها ﴿ظَاهَرُواْ﴾ أعانوا ﴿عِصَمِ﴾ جمع عِصْمة وهي ما يعتصم ويتمسك به الإِنسان من حبلٍ أو عقد والمراد به هنا عقد النكاح ﴿الكوافر﴾ جمع كافرة وهي التي لا تؤمن بالله.
سَبَبُ النّزول: «لما تجهز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لفتح مكة، كتب» حاطب بن أبي بلتعة «إِلى أهل مكة يخبرهم بذلك وقال لهم: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يريد أن يغزوكم فخذوا حذركم، ثم أرسل الكتاب مع ظعينةٍ إي امرأةٍ مسافرة فنزل الوحي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخبره بذلك، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ علياً، والزبير، والمقداد وقال:» انطلقوا حتى تأتوا «روحة خاخ» فإِن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به «فخرجنا حتى أتينا الروضة فإِذا نحن بالظعينة، فقلنا لها أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقال لها: لتخرجنَّ الكتاب أو لنلقينَّ الثياب فأخرجته من عِقاصها، فأتينا به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإِذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إِلى أناسٍ من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ما هذا يا حاطب؟ فقال يا رسول الله: لا تعجل عليَّ إِني كنت أمرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يجمون بها أهلهم وأموالهم بمكة، فأحببت إِذ فاتني ذلك في النسب فيهم أن اتخذ يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلتُ ذلك كفراً وارتداداً عن ديني، فقال عمر، عني يا رسول الله أضربُ عنق هذا المنافق! ﴿فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم﴾ فنزلت ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ..﴾ » الآية.
التفسِير: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ أي يا معشر المؤمنين، يا من صدقتم بالله ورسوله، لا تتخذوا الكفار الذين هم أعدائي وأعداؤكم أصدقاء وأحباء، فإنَّ من علامة الإِيمان بغض أعداء الله لا مودتهم وصداقتهم قال في التسهيل: نزلت عتاباً لحاطب وزجراً عن أن يفعل أحد مثل فعله، وفيها مع ذلك تشريفٌ له لأن الله شهد له بالإِيمان في قوله ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ﴾ ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة﴾ أي تحبونهم وتودونهم وتصادقونهم مع أنهم أعداء ألداء لكم قال القرطبي: أي تخبرونهم بسرائر المسلمين وتنصحون لهم ﴿وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الحق﴾ أي والحال أنهم كافرون بدينكم وبقرآنكم الذي أنزله الله عليكم بالحق الواضح ﴿يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ﴾ أي يخرجون محمداً مكة ظلماً وعدواناً كما يخرجون أيضاً منها المؤمنين قال في البحر: