اللغَة: ﴿عَبَسَ﴾ كلح وجهه وقطَّب ﴿تصدى﴾ تتعرض له وتصغي لكلامه ﴿سَفَرَةٍ﴾ السفرة: الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد جمع سافر مثل كاتب كَتَبة ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾ جعل له قبراً وأمر أن يُقْبر ﴿قَضْباً﴾ القضبُ: كل ما يقطع من البقول فينبت أصلهُ مثل البرسيم «الفصة» والباقلاء، والكُرَّاث وغيرها ﴿غُلْباً﴾ كثيرة الأشجار ملتفة الأغصان جمع غلباء ﴿أَبّاً﴾ الأبُّ: المرعى وكل ما أنبتت الأرض مما تأكله البهائم كالكلأ والعشب ﴿الصآخة﴾ الصيحة التي تصمُّ الآذان لشدتها ﴿مُّسْفِرَةٌ﴾ مشرقة مضيئة ﴿غَبَرَةٌ﴾ غبار ودخان ﴿قَتَرَةٌ﴾ سواد وظلمة.
سَبَبُ النّزول: روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان مشغولاً مع صناديد قريش يدعوهم إِلى الإِسلام، وكان يطمع في إِسلامهمه رجاء أن يسلم أتباعهم، فبينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مشتغل بمن عنده من وجوه قريش، جاء إِليه «عبد الله بن أُم مكتوم» وهو أعمى، فقال يا رسول الله: علمني مما علَّمك الله، وكرَّر ذلك وهو لا يعلم أن الرسول مشغول مع هؤلاء إِنما أتباعه العميان والسَّفلة والعبيد، فعبس وجهه وأقبل على القوم يكلمهم فأنزل الله ﴿عَبَسَ وتولى أَن جَآءَهُ الأعمى﴾ الآيات.
التفسِير: ﴿عَبَسَ وتولى أَن جَآءَهُ الأعمى﴾ أي كلح وجهه وقطَّبه وأعرض عنه كارهاً، لأنْ جاءه الاعمى يسأل عن أمور دينه قال الصاوي: إِنما أتى بضمائر الغيبة ﴿عَبَسَ وتولى﴾ تطلفاً به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإِجلالاً له، لما في المشافهة بتاء الخطاب ما لا يخفى من الشدة الصعوبة واسم الأعمى «عبد الله بن أُم مكتوم» وكان بعد نزول آيات العتاب إِذا جاءه يقول له: «مرحباً بمان عاتبني فيه ربي، ويبسط له رداءه» ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى﴾ أي وما يُعلمك ويخبرك يا محمد لعلَّ هذا الأعمى الذي عبستَ في وجهه، يتطهر من ذنوبه بما يتلقاه عنك من العلم والمعرفة! ﴿ {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذكرى﴾ أي أويتعظ بما يسمع فتنفعه موعظتك} ﴿ {أَمَّا مَنِ استغنى﴾ أي أما من استغنى عن اللهِ وعن الإِيمان، بما له من الثروة والمال ﴿فَأَنتَ لَهُ تصدى﴾ أي فأنت تتعرَّض له وتصغي لكلامه، وتهتم بتبليغه دعوتك ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى﴾ أي ولا حرج عليك أن لا يتطهر من دنس الكفر والعصيان،