قوله: ﴿لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا﴾ قرأ الأخَوان: «ترحمنا وتغفر» بالخطاب، «ربَّنا» بالنصب. وهي قراءةُ الشعبي وابن وثاب وابن مصرف والجحدري والأعمش، وأيوب، وباقي السبعة بياء الغيبة فيهما، «ربُّنا» رَفْعاً، وهي قراءة الحسن ومجاهد والأعرج وشيبة وأبي جعفر. فالنصبُ على أنه منادى وناسبه الخطاب، والرفعُ على أنه فاعل، فيجوز أن يكون هذا الكلامُ صَدَرَ من جميعهم على التعاقب، أو هذا من طائفة وهذا من طائفة، فَمَنْ غلب عليه الخوفُ وقَوِي على المواجهة خاطب مستقيلاً من ذنبه، ومَنْ غلب عليه الحياء أخرج كلامه مُخْرج المُسْتحيي من الخطاب، فأسند الفعل إلى الغائب.
قوله تعالى: ﴿غَضْبَانَ أَسِفاً﴾ : حالان من موسى عند مَنْ يجيز تعدُّدَ الحال، وعند مَنْ لا يجيزه يَجْعَلُ «أَسِفاً» حالاً من الضمير المستتر في «غضبان» فتكون حالاً متداخلةً، أو يجعلها بدلاً من الأولى، وفيه نظرٌ لعُسْر إدخالِه في أقسام البدل، وأقربُ ما يقال: إنه بدلُ بعضٍ من كل إن فسَّرنا الأسِفَ بالشديد الغضبِ، أو بدلُ اشتمال إن فسَّرناه بالحزين. يقال: أسِف يأسَفُ أَسَفاً، أي: اشتدَّ غضبُه. قال تعالى: ﴿فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: ٥٥] ويقال: بل معناه حَزِن ومنه قوله:

٢٢٩٧ - غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ ينقضي بالهمِّ والحزن
فلما كانا متقاربَيْنِ في المعنى صَحَّت البدليةُ على ما ذكرته لك، ويدلُّ على مقاربة ما بينهما كما قال الواحدي قولُه:
٢٢٩٨ -..................


الصفحة التالية
Icon