﴿ سُبْحَانَ ﴾، يعني عجب.
﴿ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ﴾، في رجب، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ﴾، يعني بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، فقال جبريل: أما إن الله حرمها على أمتك.
﴿ ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾، يعني بالبركة الماء، والشجر، والخير.
﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ﴾، فكان مما رأى من الآيات البراق، والرجال، والملائكة، وصلى بالنبيين تلك.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ﴾ [آية: ١].
وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسري به من مكة، فقال لأم هانئ ابنة أبي طالب، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي: " لقد رأيت الليلة عجباً "، قالت: وما ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: " لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما في بيت المقدس "، فقالت: وكيف فعلت؟ قال: " أتاني جبريل، عليه السلام، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب وميكائيل، عليه السلام، بالباب ومعه دابة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس، بلقاء، سيلاء، مضطربة الخلق، لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافرها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها، كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدو عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذ يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم، ورأيت ورأيت ". فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيخرج، أخذت أم هانىء بحبرته، قالت: أين تخرج؟ قال: " أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت "، فقالت: لا تفعل، فوالله ليجترأن عليك المكذب، وليمترين فيك المصدق، قال: " وإن كذبوني لأخرجن "، ونزع يدها من حبرته، فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر، فقام عليهم فقال: " ألا أحدثكم بالعجب؟ "، قالوا: أخبرنا، فإن أمرك كله عجب، قال: " لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لى النبيون، فصليت بهم وكلمت بعضهم "، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون. فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعاً، فآخذك بيدي أخذاً، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس، ورجعتك من ليلتك، ونحن لا نبلغه إلاّ في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك كذاب ساحر، فبينما هم كذلك، إذ جاء أبو بكر الصديق، رضوان الله عليه، فقالت قريش: يا أبا بكر، ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق، رضى الله عنه: إن كان قال ذلك، فقد صدق. وقال أبو بكر، رضي الله عنه، للنبى صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي، حدثني عن باب بيت المقدس، وعن البيت، وعن سواريه، وعن الصخرة، وعن هذا كله، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فالتزمه أبو بكر، فقال: أشهد أنك صادق، فسمى يومئذ الصديق، اسمه: عتيق بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة، فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف رأيت الأنبياء، عليهم السلام؟ قال:" رأيت عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم رجلاً أبيض، فوق الربعة، ودون الطويل، ظاهر الدم، عريض الصدر، جعد الرأس، يعلوه صهوبة، أشبه الناس بعروة بن معتب الثقفى "." ورأيت موسى، عليه السلام، رجلاً طويلاً، آدم شديد الأدمة، ضرب اللحم، سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما، ورأيت إبراهيم، عليه السلام، أشبه الناس بى خَلقاً وخُلقاً، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم، ورأيت الدجال، رجلاً جسيماً، لحيماً، آدم، جعد الرأس، كث اللحية، ممسوح العين، أحلى الجبهة براق الثنايا، مكتوب بين عينيه كافر، شبيه بفطن بن عبد العزى "." ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعى، والحارث بن كعب بن عمرو، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار "، يعني أمعاءهما، قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: ولم؟ قال: " لأنهما أول من سيبا السائبة، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام، وأول من سميا اللات والعزى، وأمرا بعبادتهما، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم، عليه السلام، ونصبا الأوثان حول الكعبة، فأما عمرو بن ربيعة، فهو رجل قصير، أشبه الناس به هذا، يعني أكثم بن الجون الخزاعى "، فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: " لا "، أنت مؤمن وهو كافر ". فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدى: عجلت على ابن أخيك، ثم قال كهيئة المستهزئ: رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا، هل رأيتها في الطريق؟ قال: " نعم "، قال: فأين رأيتها؟ قال: " رأيت عير بنى فلان بالروحاء نزولاً، قد ضلت لهم ناقة، وهم في طلبها، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم، فوجدت في إناء لهم ماء، فشربت منه وتوضأت، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ "، قالوا: هذه آية. قال: " ومررت على عير بني فلان، في وادي كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا من الليل، ومعي جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فنفرت منا إبلهم، فوقعت ناقة حمراء فانكسرت، فهم يجبرونها، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ "، قالوا: نعم، هذه آية، قال رجل منهم: فأين تركت عيرنا؟ قال: " تركتها بالتنعيم قبيل "، قال: فإن كنت صادقاً، فهي قادمة الأن، قال: " نعم "، قال: فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها، قال: " كنت عن ذلك مشغولاً، غير أن برنساً كان لهم على البعير الذي يقدم الركب، فسقط البرنس، فرجع حبشي من القوم فأصابه، فوضعه على آخر الركب، فاسألوهم إذا أتوكم هل كان ذلك ". فبينا هو صلى الله عليه وسلم يحدثهم، إذ مثل الله عز وجل له كل شىء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أين السائل آنفاً عن إبله، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا وكذا، ويقدمها جمل أورق، وهى قادمة الآن "، فانطلقوا يسعون، فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: لقد صدق الوليد بن المغيرة، إن هذا لساحر مبين، وما يجرى محمد صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى تقدم عيرنا، وما حالها وأحمالها ومن فيها، فكفوا بعض الأذى سنة.


الصفحة التالية
Icon