قوله: ﴿ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً ﴾ [آية: ١] فهو ملك الموت وحده، ينزع روح الكافر حتى إذا بلغ ترقوته غرقه في حلقه، فيعذبه في حياته قبل أن يميته، ثم ينشطها من حلقه كما ينشط السفود الكثير الشمث من الصوف فينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه مثل الصوف، فذلك قوله: ﴿ وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ﴾ [آية: ٢] فهو ملك الموت فيخرج نفسه من حلقه ومعها العروق كالغريق من الماء وأما قوله: ﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾ [آية: ٣] وهو ملك الموت وحده، وهي روح المؤمن ولكن قال في التقديم: ﴿ فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ ثم ﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾ تقبض روح المؤمن كالسابح في الماء لا يهوله الماء يقول: تستبق الملائكة أرواحهم في حريرة بيضاء من حرير الجنة، يسبقون بها ملائكة الرحمة، ووجوههم مثل الشمس عليهم تاج من نور ضاحكين مستبشرين طيبين، فذلك قوله:﴿ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ ﴾[النحل: ٣٢]، قال: ﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾ يقول تسبح الملائكة في السموات لا تحجب روحه في السماء حتى يبلغ به الملك عند سدرة المنتهى عندها مأوى أرواح المؤمنين فأما الكافر فإنه أول ما ينزل الملك الروح من جسده، فتستبق ملائكة الغضب وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق غضاب، حرهم أشد من حر النار فتوضع روحه على جمر مثل الكبريت، فيضعون روحه عليه، وتقلب روحه عليه، مثل السمك، على الطابق، ولا تفتح أبواب السماء فيهبط به الملك حتى يضعه في سجين وهي الأرض السفلى تحت خد إبليس. هذا معنى ﴿ فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ [آية: ٤] أما وقوله تعالى: ﴿ فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾ [آية: ٥] فهم الملائكة منهم الخزان الذين يكونون مع الرياح، ومع المطر، ومع الكواكب، ومع الشمس، والقمر، ومع الإنس والجن، فكذلك هم، ويقال: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، عليهم السلام، الذين يدبرون أمر الله تعالى، في عباده وبلاده، وبأمره.


الصفحة التالية
Icon