قوله: ﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [آية: ١] ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ [آية: ٢] تعنى أحد لا شريك له، وذلك أن عامر بن الطفيل ابن صعصعة العامري، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفى، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فما تريد "؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر ولك المدر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا شرط في الإسلام "، قال: فاجعل لي الخلافة بعدك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نبى بعدي "، قال: فأريد أن تفضلنى على أصحابك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكنك أخوهم، إن أحسنت إسلامك "، فقال: فتجعلنى أخا بلال وخباب بن الأرت، وسلمان الفارسى، وجعال، قال: " نعم "، فغضب، وقال: أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك تخوفنى "؟ قال: له جبريل، عليه السلام، عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفاً من الملائكة، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعجب مما سمع منه، فلقيه الأربد بن قيس السهمى، فقال له: ما شأنك؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال: إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفاً، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت إسلامك، فقال له: أفلا قتلته؟ قال: لم أطق ذلك، قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته حتى أضرب عنقه، فانطلقا على وجوههما، حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه سلم فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما يريدان، قال: وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس، وأقبل عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على فمه، وهو يقول: يا محمد لقد خوفتنى بأمر عظيم، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء؟ قال: " جنودى وهم أكثر مما ذكرت لك "، قال: فأخبرنى ما اسم ربك؟ وما هو؟ ومن خليله؟ وما حيلته؟ وكم هو؟ وأبو من هو؟ ومن أى حى هو؟ ومن أخوه؟. وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله تعالى ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ لقوله ما اسمه؟ وكم هو؟ ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ لقوله ما طعامه؟ ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ الذي لا يأكل ولا يشرب ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ يقول: ولم يتخذ ولداً ﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [آية: ٣] يقول: ليس له ولد يكتنى به، لقوله: وابن من هو؟ ثم قال: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ [آية: ٤] لقوله: من خليله؟ ويقول: ليس له نظير، ولا شبيه، فمن أين يتخذ الخليل، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس، وهو في جهد قد عصر الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا، فقاما، فقال له عامر ويحك ما شأنك؟ قال: وجدت عصراً شديداً في بطنى، ووجعاً، فما استطعت أن أرفع يدي. قال: فأما الأربد بن قيس، فخرج يومئذ من المدينة، وكان يوماً متغيماً، فأدركته صاعقة في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل، فوجاه جبريل، عليه السلام، في عنقه، فخرج من عنقه دبيله، ويقال: طاعون فمرض بالمدينة، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوباً من بنى سلول، فقال جزعاً من الموت: غدة كغدة البعير، ومت في بيت سلولية، أبرز إلى يا موت، فأنا قاتلك، فأنزل الله عزو جل:﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ ﴾[الرعد: ١٣].
وأيضاً: ﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ وذلك أن مشركي مكة، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انعت لنا ربك وصفه لنا، وقال عامر بن الطفيل العامرى: أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، أو من صفر؟ وقالت اليهود: عزيراً ابن الله، وقد أنزل الله عز وجل نعته في التوراة، فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله عز وجل في قولهم: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ لا شريك له ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ يعني الذي لا جوف له، كجوف المخلوقين، ويقال: الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار والخضوع.
﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ فيورث.
﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ فيشارك، وذلك أن مشركى العرب، قالوا: الملائكة بنات الرحمن، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله عز وجل، فبرأ نفسه من قولهم، فقال: ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ يعني لم يكن له ولد ﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ كما ولد عيسى وعزير ومريم.
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ يقول: لم يكن له عدل، ولا مثل من الآلهة تبارك وتعالى علواً كبيراً.


الصفحة التالية
Icon