﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ﴾؛" وذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ الأَيَامَ بَيْنَ نِسَائِهِ وَكَانَ لَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَكَانَ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، ثُمَّ إنَّ حَفْصَةَ زَارَاتْ أبَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ لِعَائِشَةَ، فَدَخَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلِكَ الْيَوْمَ بَيْتَ حَفْصَةَ فَوَجَدَ فِيْهِ جَاريَتَهُ مَاريَّةُ فَأَخْلاَ بهَا، فَلَمَّا رَجَعَتْ حَفْصَةُ إلَى مَنْزلِهَا، وَقَفَتْ حَفْصَةُ عَلَى ذلِكَ الْبَاب فَلَمْ تَدْخُلْ حَتَّى خَرَجَتْ مَاريَّةُ، ثُمَّ دَخَلَتْ فَقَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي قَدْ رَأيْتُ مَنْ كَانَ مَعَكَ فِي الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَيْرَةَ وَالْكَآبَةَ فِي وَجْهِهَا قَالَ: " اكْتُمِي عَلَيَّ، وَلاَ تُخْبرِي عَائِشَةَ بذلِكَ " ثُمَّ قَالَ: " هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ " يَعْنِي مَاريَّةَ، فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ وَكَانَتَا مُتَصَافِيَتَيْنِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَ النَّبيَّ بذلِكَ، فَدَعَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ وَقَالَ لَهَا: " مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ذلِكَ؟ " قَالَتْ: وَمَنِ الَّذِي أخْبَرَكَ؟ قَالَ: " أخْبَرَنِي الْعَلِيمُ الْخَبيرُ ". فَغَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَفْصَةَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ، فَمَكَثَ سَبْعاً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً يَنْتَظِرُ مَا يَنْزِلُ فِيْهنَّ، فَأَنْزَلَ اللهُ هذهِ الآياتِ. ومعناها: يا أيُّها النبيُّ لِمَ تحرِّمُ ما أحَلَّ اللهُ لكَ.
﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾؛ طالباً رضَى أزواجِكَ.
﴿ وَٱللَّهُ غَفُورٌ ﴾؛ لِمَا كان منكَ من التحريمِ.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾؛ بكَ حيث رخَّصَ لك الخروجَ منه بالكفَّارة، فأعتقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رقبةً وعادَ إلى ماريَّة ". ورُوي:" أنَّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا اسْتَأْذنَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي زيَارَةِ أبيهَا فِي يَوْمِهَا، فَأَذِنَ لَهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهَا، فَمَضَتْ، فَأَرْسَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى جَارِيَتِهِ مَاريَّةَ الْقِبْطِيَّةَ فَأَدْخَلَهَا فِي حِضْنِهِ، وَكَانَ ذلِكَ فِي يَوْمِ حَفْصَةَ، فَلَمَّا رَجَعَتْ حَفْصَةُ وَجَدَتْ بَابَ بَيْتِهَا مُغْلَقاً، فَجَلَسَتْ عَلَى الْبَاب حَتَّى خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوَجْهُهُ يَقْطُرُ عَرَقاً وحَفْصَةُ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: " مَا يُبْكِيكِ؟ " قَالَتْ: إنَّمَا أذِنْتَ لِي بالزِّيَارَةِ مِنْ أجْلِ هَذا؛ أدْخَلْتَ أمَتَكَ بَيْتِي وَوََقَعْتَ عَلَيْهَا فِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ مَا رَأيْتَ لِي حُرْمَةً وَحَقّاً، مَا قَطُّ صَنَعْتَ هَذا بامْرَأةٍ مِنْ نِسَائِكَ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " هِيَ جَارِيَتِي فَلاَ أحَلَّهَا اللهُ، اسْكُتِي هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ، ألْتَمِسُ بذلِكَ رضَاكِ، وَلاَ تُخْبرِي بذلِكَ امْرَأةً مِنْهُنَّ، وَهَذِهِ أمَانَةٌ عِنْدَكِ ". ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَتْ حَفْصَةُ عَلَى الْجِدَار الَّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهَا: ألاَ أبَشِّرُكِ يَا عَائِشَةُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَرَّمَ جَاريَتَهُ مَاريَّةَ، وَقَدْ أرَاحَنَا اللهُ مِنْهَا. وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مُتَصَافِيَتَيْنِ مُتَظَاهِرَِتَيْنِ عَلَى سَائِرِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَهُ بذلِكَ، فَغَضِبَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَالَ: " مَا حَمَلَكِ عَلَى ذلِكَ "، ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ". وذهبَ بعضُ المفسِّرين أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ شَرِبَ عِنْدَهَا شَرَابَ عَسَلٍ تُصْلِحُهُ لَهُ، وَكَانَ يَطُولُ مُكْثُهُ عِنْدَهَا، فَاجْتَمَعَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أنْ يَقُولاَ لَهُ: إنَّا نَجِدُ مَعَكَ رَائِحَةَ الْمَغَافِيرِ - وَهُوَ صَمْغٌ مُتَغَيِّرُ الرَّائِحَةِ يَقَعُ عَلَى الطَّرَفِ يَأْكُلُهُ النَّحْلُ - فَلَمَّا صَارَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَتْ لَِهُ: إنِّي أشُمُّ معَكَ رَائِحَةَ الْمَغَافِيرِ، فَحَرَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِهِ شُرْبَ الْعَسَلِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذهِ الآيَاتِ. والقولُ الأول أظهرُ، ولا يمتنعُ أنَّ الأمرَين قد كانَا، وأنَّ هذا نزلَ فيهما.


الصفحة التالية
Icon