قوله: ﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ ﴾ لم يتكلم الجلال المحلي ولا تلميذ عليها، ولعلمها اتكالا على شهوته، ونتكلم على شيء منها فنقول: ابتدأ كتابة تعالى بالبسملة، تعليماً لعباده الاقتداء بذلك، والإتيان بها في كل أمر ذي بال إشعاراً بأنها أم الفاتحة كما أن الفاتحة أم القرآن، كما أن القرآن أم لكتب السماوية، والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، والرحمن المنعم بجلائل النعم، كماً وكيفاً دنيا وأخرى، والرحيم المنعم بدقائقها كذلك.- فائدة - روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب: باسمك اللهم حتى نزل وقال: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها كتب بسم الله، فلما نزلت﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ ﴾[الإسراء: ١١٠] كتب: بسم الله الرحمن، فلما نزلت﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾[النمل: ٣٠] كتبها، وعن عبد الله بن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ ﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ ﴾ ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كل واحد، وقد فسرها بعض العارفين على مقتضى الحروف فقال: إن كل حرف منها مفتاح كل اسم من اسمائه تعالى، مبدوء بذلك الحرف، فالباء مفتاح اسمه تعالى: بصير وباقي وبر، ونحن ذلك، والسين مفتاح اسمه تعالى: سميع سلام، والميم مفتاح اسمه ملك ونحوه، والألف مفتاح اسمه تعالى ونحوه، واللام مفتاح اسمه لطيف ونحوه، والهاء مفتاح اسمه هادي ونحوه، والراء مفتاح اسمه رزاق ونحوه، والحاء مفتاح اسمه حليم ونحوه، والنون مفتاح اسمه نافع ونحوه، فكأن المفتتح بها مفتتح بجميع أسمائه تعالى: قوله: (جملة) أي مركبة من مبتدأ وخبر، وقوله: (خبرية) أي لفظاً وهي إنشائية معنى بدليل قوله: (قصد الثناء) أي قصد بها إنشاء الثناء، قوله: (من أنه تعالى) الخ، بيان للمضمون، وفي ذلك إشارة إلى أن أل في الحمد جنسية، وهو الأولى من جعلها استغراقية أو عهدية، أما الأول فلأنه ليس في طاقة العبيد حصر أفراد الحمد، وأما الثاني فلقصوره كذا قال النحويون، واختار الصوفية أنها للعدد قائلين: إنه تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده، حمد نفسه بنفسه أو وضعه لهم يحمدونه به، وهذا المعنى هو المناسب للحمد الواقع في القرآن فتدبر. قوله: (ومستحق) الخ، أشار بذلك إلى أن اللام في ﴿ للَّهِ ﴾ للملك أو للاستحقاق. قوله: (والله علم على المعبود بحق) أي علم شخص عربي مرتجل جامد وهو الصحيح، ومعنى كونه علم شخص، أنه علم على ذات معينة مستجمعة لصفات الكمال، وقال الزمخشري: إنه اسم جنس صار علماً بالغلبة مشتق من أله كعبد وزناً ومعنى أو من أله بمعنى سكت، أو من وله بمعنى تحير ودهش أو طرب، أو من لاه بمعنى احتجب، أو ارتفع أو استنار، ومجموع الأقاويل هو المعبود للخواص والعوام، المفزوع إليه في الأمور العظام، المرتفع عن الأوهام، المتحجب عن الأفهام، الظاهر بصفاته الفخام، الذي سكنت إلى عبادته الأجسام، وولعت به نفوس الأنام، وطربت إليه قلوب الكرام.