قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ العبرة بعموم اللفظ، وإن كان الخطاب لأهل المدينة. قوله: ﴿ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ ﴾ أي ما عقده الله وعهده عليكم من التكاليف والأحكام الدينية، ومن هنا قالوا أمور الدين أربعة: الصحة في العقد، والصدق في القصد، والوفاء بالعهد، واجتناب الحد. قوله: (العهود) أشار بذلك إلى أن المراد بالعقد، العقد المعنوي، وهو العهد المشبه بعقد الحبل، وقوله: (المؤكدة) أخذ ذلك من قوله العقود، لأن معنى العقد هو العهد المؤكد. قوله: (التي بينكم وبين الله) أي كالمأمورات والمنهيات، فالوفاء بالمأمورات فعلها، والوفاء بالمنهيات تركها، ودخل في قوله: (وبين الله) العهد الواقع بين العبد وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب على الإنسان الوفاء به، بأن يؤمن به، ويصدق بما جاء به، ويعظمه ويحترمه، ولا يخالف مات أمره به أصلاً. قوله: (وبين الناس) أي كالمعاملات: من بيع وشراء ونكاح وطلاق وتمليك وتخيير وعتق ودين ووديعة وصلح، ومن ذلك أيضاً: احترام المؤمنين وتعظيمهم وعدم غيبتهم وإيذائهم والنميمة والكذب عليهم، ومن ذلك أيضاً: احترام المؤمنين وتعظيمهم وعدم غيبتهم وإيذائهم والنميمة والكذب عليهم، ومن ذلك أيضاً: وفاء المريدين بعهود المشايخ على مصطلح الصوفية. قوله: ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ ﴾ كلام مستأنف مسوق لبيان امتنان الله علينا، حيث أحل لنا أشياء لم تكن لليهود، وبنى الفعل للمجهول للعلم بفاعله وهو الله، وإضافة بهيمة للأنعام على معنى من كثوب خز، لأن البهيمة كما في القاموس كل ذات أربع قوائم، ولو من حيوان الماء أو كل حي لا يميز. قوله: (بعد الذبح) مراده ما يشمل النحر، ولو قال بعد التزكية لكان أشمل. قوله: ﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ أي وهو عشرة أشياء، أولها الميتة، وآخرها ما ذبح على النصب فقوله: (الآية) أي إلى قوله وما ذبح على النصب. قوله: (فالاستثناء منقطع) أي لأن ما قبل إلا فيما أحل، وما بعدها فيما حرم، وقوله: (والتحريم لما عرض) أي فهو كان حلالاً بحسب الأصل، فهو استثناء حلال من حلال، هكذا يؤخذ من عبارة المفسر، وفيه أنه يلزم عليه أن كل استثناء منقطع لأن ما بعد إلا دائماً مخالف لما قبلها، منقطعاً أو متصلاً، مع أنهم قالوا أن الاستثناء المتصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، والمنقطع أن يكون من غير جنسه، والمخالفة في الحكم لا بد منها على كل، فالأحسن أن يقال إن الانقطاع من حيث أن المستثنى منه، والمنقطع أن يكون من غير جنسه، والمختلفة في الحكم لا بد منها على كل، فالأحسن أن يقال إن الانقطاع من حيث إن المستثنى لفظ وهو قوله: ﴿ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ المستثنى منه ذات وهو بهيمة الأنعام، ولا شك أنه من غير جنسه، ويمكن أن يكون متصلاً بتقدير مضاف، والتقدير إلا محرم ما يتلى. قوله: ﴿ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ ﴾ أي غير محلين للصيد بمعنى معتقدين حله، وقوله: (أي محرمون) أي أو في الحرم، فيحرم صيد النعام الوحشية، بل الصيد مطلقاً أنعاماً أو غيرها، وهو تقييد لقوله: ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ ﴾ كأن الله قال أحل الله لكم بهيمة الأنعام كلها، والوحشية أيضاً، من الظباء والبقر والحمر، إلا صيد الوحشي منها أو من غيرها وأنتم محرمون، فلا يجوز فعله ولا اعتقاد حله. قوله: (ونصب غير على الحال من ضمير لكم) أي وقوله: ﴿ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ حال من الضمير في ﴿ مُحِلِّي ﴾.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ كالعلة لما قبله، أي فالأحكام صادرة من الله على حسب إرادته، فلا اعتراض عليه، ولا معقب لحكمه، وهذا مما يرد على المعتزلة القائلين بوجوب الصلاح والأصلح. قوله: (أي معالم دينه) أي العلامات الدالة على دينه من مأمورات ومنهيات، والمعنى لا تتهاونوا بمعالم دينه، وقوله: (بالصيد في الإحرام) خصه لقرينة ما قبله وما بعده، وإلا فاللفظ عام كقوله: (أوفوا بالعقود) فأولاً أمرنا بالوفاء بها، وثانياً نهانا عن التفريط والتهاون بالشعائر، وهي كناية عن معالم الدين والإحلال، تارة يكون بالفعل أو الاعتقاد.


الصفحة التالية
Icon