قوله: (هذه) ﴿ سُورَةٌ ﴾ أشار المفسر إلى أن ﴿ سُورَةٌ ﴾ خبر لمحذوف قدره بقوله: (هذه) والاشارة لما في علم الله لكونها في حكم الحاضر المشاهد، ويصح أن تكون ﴿ سُورَةٌ ﴾ مبتدأ وجملة ﴿ أَنزَلْنَاهَا ﴾ صفة لها والخبر قوله: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي ﴾ والمعنى السورة المنزلة والمفروضة كذا وكذا، والخبر محذوف، والتقيدر فيما يتلى عليكم، وهذا على قراءة الرفع، وهي لعامة القراء، وقرئ ﴿ سُورَةٌ ﴾ بالنصب بفعل مضمر يفسره ﴿ أَنزَلْنَا ﴾ فهو من با ب الاشتغال أو على الإغراء، أي دونك سورة. قوله: ﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ أي أوجبنا ما فيها من الأحكام ايجاباً قطعياً. قوله: (مخففاً ومشدداً) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَأَنزَلْنَا ﴾ كرر الإنزال لكال الاعتناء بشأنها. قوله: ﴿ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أي دلائل على وحدانية الله تعالى، وقد ذكر في أول هذه السورة أنواع من الأحكام والحدود، وفي آخرها دلائل التوحيد، فقوله: ﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ إشارة إلى الأحكام، وقوله: ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ إشارة إلى الأدلة. قوله: (بإدغام التاء الثانية) أي بعد قلبها دالاً فذالاً أي وبتسكينها، أي فهما قراءتان سبعيتان، وبقيت ثالثة سبعية أيضاً وهي حذف إحدى التاءين. قوله: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي ﴾ مبتدأ، والخبر محذوف تقديره فيما يتلى عليكم أو جملة ﴿ فَٱجْلِدُواْ ﴾ ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط، وعليه درج المفسر، وقدمت المرأة في حد الزنا، وأخرت في آية حد السرقة، لأن شهوة الزنا في المرأة أقوى وأكثر، والسرقة ناشئة من الجسارة والقوة، وهي في الرجل أقوى وأكثر. قوله: (لرجمهما بالسنة) أشار بذلك إلى أن الزانية والزاني لفظ عام يشمل المحصن وغيره، فالسنة أخرجت المحصن وبينت أن حده الرجم، فصار الكلام في غيره. قوله: ﴿ فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ﴾ الخ، أي بسوط لين له رأس واحدة، ويجرد الرجل من ثيابه، والمرأة مما يقيها ألم الضرب، وتوضع في قفة فيها تراب للستر. قوله: (والرقيق على النصف مما ذكر) أي الجلد والتغريب وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك: لا يغرب إلا الذكر الحر، وأما المرأة والرقيق فلا يغربان. قوله: ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا ﴾ قرأ العامة بالتأنيث مراعاة للفظ، وقرئى شذوذاً بالياء التحتية. قوله: ﴿ رَأْفَةٌ ﴾ بسكون الهمزة وفتحها قراءتان سبعيتان، وقرئ بالمد بوزن سحابة، والرأفة أشد الرحمة، ويقال رؤف بالضم والفتح والكسر ككرم وقطع وطرب. قوله: (بأن تتركوا شيئاً من حدهما) أي لأن إقامة الحدود فيها رضا الله لما ورد:" إقامة حد الله تعالى في الأرض، خير من أن تمطروا أربعين صباحاً ". قوله: (في هذا) أي: قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ ﴾ الخ. قوله: (تحريض) أي حث على ما قبل الشرط وهو قوله: ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾ فالواجب الغضب لله واستيفاء الحدود اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال:" لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ". قوله: (وهو جوابه) أي كما هو رأي الكوفيين، قوله: (أو دال) أي كما هو رأي البصريين. قوله: ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ﴾ الأمر للندب، والطائفة الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة. قوله: (قيل ثلاثة) الخ، القولان للشافعي، وعند مالك أقل من ذلك أربعة. قوله: (أي المناسب لكل منهما ما ذكر) أي فهذا زجر لمن يريد نكاح الزانية، والمعنى أن الزاني يرغب في نكاح الزانية أو المشركة، والزانية ترغب في نكاح الزاني أو المشرك. قوله: ﴿ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي لما فيه من المفاسد، كالطعن في النسب، والتعرض للتهم، والتشبه بالفساق، فالواجب التزويج بالعفيفات لما في الحديث:" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ". قوله: (نزل ذلك) أي الآية، وحينئذ فالمطابق لسبب النزول هو الجملة الثانية، وإنما ذكر الأولى زيادة في التنفير. قوله: (وهو موسرات) أي غنيات. قوله: (خاص بهم) أي ولم ينسخ إلى الآن. قوله:﴿ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ ﴾[النور: ٣٢] جمع أيم، وهي من ليس لها زوج، بكراً أو ثيباً، ومن ليس له زوجة، وهو يشمل الزاني والزانية وغيرهما فغاية الأمر أن نكاح الفاسق والفاسقة مكروه.