قوله: ﴿ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ﴾ نعت ثاني للفظ الجلالة، و ﴿ جَاعِلِ ﴾ وإن كان بمعنى المضي، إلا أنه للاستمرار، فباعتبار دلالته على المضي، تكون إضافته محضة، فيصلح لوصف المعرفة به، وباعتبار دلالته على الحال والاستقبال، يصلح للعمل في ﴿ رُسُلاً ﴾.
قوله: (إلى الأنبياء) أي بالوحي، وحينئذ فيراد بعض الملائكة لا كلهم، وعبارة البيضاوي أوضح من هذه وأولى، ونصها: جاعل الملائكة رسلاً وسائط بين الله تعالى، وبين أنبيائه والصالحين من عباده، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصالحة، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه. قوله: ﴿ أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ ﴾ يصح أن يكون صفة لرسلاً، وهو إن كان صحيحاً من جهة اللفظ لتوافقهما تنكير، إلا أنه يوهم أن الأجنحة لخصوص الرسل، مع أنها لكل الملائكة، فالأحسن جعله صفة أو حالاً من الملائكة، نظراً لأن الجنسية. قوله: ﴿ مَّثْنَىٰ ﴾ بدل من ﴿ أَجْنِحَةٍ ﴾ مجرور بفتح مقدرة، نيابة عن الكسرة المقدرة، لأن اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية الوصفية والعدل، لكونه معدولاً عن اثنين اثنين. قوله: ﴿ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ إن قلت: في أي محل يكون الجناح الثالث لذي الثلاثة؟ قلت: لعله يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بالقوة. قوله: ﴿ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ ﴾ جملة مستأنفة سيقيت لبيان باهر قدرته تعالى. (في الملائكة) أي في صورهم، فقد قال الزمخشري: رأيت في بعض الكتب، أن صنفاً من الملائكة لهم ستة أجنهة، فجناحان يلفون بهما أجسادهم، وجناحان للطير يسيرون بهما في الأمر من أمور الله، وجناحان على وجوههم حياء من الله تعالى، وفي الحديث:" رأيت جبريل عند سدرة المنتهى، وله ستمائة جناح، يتناثر من رأس الدر والياقوت "وروى أنه سأل جبريل أن يتراءى له في صورته فقال: إنك لن تطيق ذلك: فقال: إني أحب أن تفعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مقمرة، فأتاه جبريل في صورته، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أفاق وجبريل عليه السلام مسنده، وإحدى يديه على صدره، والأخرى بين كتفيه، فقال: سبحان الله ما كنت أرى شيئاً من الخلق هكذا، فقال جبريل: فكيف لو رأيت إسرافيل، له اثنا عشر ألف جناح، جناح منها بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل الأحايين، أي تصاغر الأزمان لعظمة الله، حتى يعود مثل الوصع، وهو العصفور الصغير. قوله: (وغيرها) أي من جميع الخلق، كطول القائمة، واعتدال الصورة، وتمام الأعضاء، وقوة البطش، وحسن الصوت، والشعر، والخط، وغير ذلك من الكمالات التي أعطاها الله لخلقه. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ كالتعليل لما قبله. قوله: ﴿ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ ﴾ ﴿ مَّا ﴾ إما شرطية، و ﴿ يَفْتَحِ ﴾ فعل الشرط، وقوله: ﴿ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ﴾ جواب الشرط، أو موصولة مبتدأ، وقوله: ﴿ يَفْتَحِ ﴾ صلتها، وقوله: ﴿ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ﴾ خبر المبتدأ، وقرن بالفاء لما في المبتدأ من العموم، وقوله: ﴿ مِن رَّحْمَةٍ ﴾ بيان لما. قوله: (كرزق) أي دنيوي أو أخروي، وعبر في جانب الرحمة بالفتح، إشارة إلى أنها شيء عزيز نفيس، شأنه أن يوضع في خزائن، وأتى بها منكرة، لتعم كل رحمة دنيوية أو أخروية. قوله: ﴿ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ﴾ أنث مراعاة لمعنى ﴿ مَّا ﴾ وهو الرحمة. قوله: ﴿ وَمَا يُمْسِكْ ﴾ يصح أن يبقى على عمومه، فالتذكير في قوله ظاهر، ويصح أن يكون قد حذف من الثاني، لدلالة الأول عليه، والتذكير مرعاة اللفظ، وقد أشار المفسر لهذا الثاني بقوله: (من ذلك) يعني من الرحمة. قوله: (أي أهل مكة) تفسير للناس باعتبار سبب النزول، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ.