قوله: ﴿ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ﴾ أضاف العدو لنفسه تعالى تشريفاً للمؤمنين، أي أن عدوكم بمنزلة عدوي أنتقم منه، وإلا فالعدو بمعنى الموصل للضر، والضر على الله محال، كما أن الحبيب الموصل للنفع، وهو على الله محال. قوله: (أي كفار مكة) تفسير للعدو، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فحكم الآية باق مع سائر الكفار إلى يوم القيامة. قوله: ﴿ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ ﴾ هذه الجملة إما مفسرة لموالاتهم إياهم، أو استئنافية، فلا محل لها من الإعراب على هذين، أو حال من فاعل تتخذوا أو صفة لأولياء، قوله: (قصد النبي) الخ، أشار بذلك إلى أن مفعول ﴿ تُلْقُونَ ﴾ محذوف، والباء في قوله: ﴿ بِٱلْمَوَدَّةِ ﴾ سببية. قوله: (وورّى بحنين) أي بغزوة حنين، والمعنى: أظهر لعامة الناس أن يريد غزوة حنين على عادته، من أنه كان إذا خرج لغزوة يوري بغيرها، كأن يسأل عن طريق غيرها ستراً عن المنافقين، لئلا يرسلوا إلى الكفار فينتهوا فيفوت تدبير الحرب، والتورية مأخوذة من وراء الإنسان، كأنه يجعل ما أراده خلفه ووراءه، وفي بعض النسخ، وورى بخيبر وهو تحريف، لأن غزوة خيبر كانت في المحرم سنة سبع، وفتح مكة كان في رمضان من السنة الثامنة، وحنين كانت بعد الفتح في شوال من سنة الفتح، فوري بها على عادته في غزاته، والسورة نزلت في غزوة الفتح. قوله: (كتب حاطب بن أبي بلتعة) الخ، أي وكان ممن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الأصل من اليمن، وكان في مكة حليف بني أسد بن عبد العزى رهط الزبير بن العوام، وهذا بيان لسبب نزول قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الآيتين، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: ائتوا روضة خاخ بالصرف وتركه موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلاً، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا نهادي خيلنا أن سرعها، فإذا نحن بامرأة فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ فقال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش - قال سفيان: كان حليفاً لهم ولم يكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداد عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً، وأن الله ناصرك عليهم، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: صدق، فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ "قيل: اسم المرأة سارة من موالي قريش، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن جميع الناس يوم فتح مكة إلا أربعة هي إحداهم، وقيل إنها عاشت إلى خلافة عمر، وأسلمت وحسن إسلامها، وكان في الكتاب: أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم، ولا يخذله موعده فيكم، فإن الله وليه وناصره. وروي أن سارة المذكورة حين قدمت المدينة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمهاجرة جئت يا سارة؟ فقالت: لا، فقال: أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك، قالت: كنتم الأهل والموالي، والأصل والعشيرة، وقد ذهب بعض الموالي يعني قتلوا يوم بدر، وقد احتجت حاجة شديدة، فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، فقال عليه السلام: فأين أنت من شباب أهل مكة؟ وكانت مغنية، قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر، فحيث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب على إعطائها، فكسوها وحملوها وأعطوها، فخرجت إلى مكة، وأتاها حاطب فقال: أعطيك عشرة دنانير وبرداً، على أن تلقي هذا الكتاب إلى أهل مكة، وكتب فيه أن رسول الله صلى لله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة سائرة إلى مكة، ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث لها علياً إلى آخر ما تقدم. قوله: (فاسترده النبي) أي طلب رده بإرسال علي ومن معه. قوله:(ممن أرسله) أي وهي سارة، والضمير المستتر في أرسل عائد على حاطب، والبارز عائد على الكتاب. قول: (بإعلام الله له) متعلق باسترده والباء سببه. قوله: (وقبل عذر حاطب) أي لأنه مؤمن بدري شهد الله له بالإيمان حيث قال: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الخ. قوله: ﴿ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ ﴾ إما مستأنف أو تفسير لكفرهم أو حال من فاعل ﴿ كَفَرُواْ ﴾.
قوله: ﴿ وَإِيَّاكُمْ ﴾ عطف على ﴿ ٱلرَّسُولَ ﴾ وقدم عليهم لأنه المقصود، فلذلك عدل على اتصال الضمير إلى انفصاله، لأنه لو قال: يخرجونكم والرسول لفات هذا المعنى. قوله: (أي لأجل أن آمنتم) الخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ تُؤْمِنُواْ ﴾ في محل نصب مفعول له. والمعنى: يخرجنكم من أجل إيمانكم بالله. قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ ﴾ أي من مكة. قوله: (للجهاد) أشار به إلى أن جهاداً وما بعده منصوب على المفعول له. قوله: ﴿ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ ﴾ بدل من تلقون، بدل بعض من كل أو مستأنف، ومفعول ﴿ تُسِرُّونَ ﴾ محذوف قدره بقوله: (إسرار خبر النبي) والباء في ﴿ بِٱلْمَوَدَّةِ ﴾ للسببية نظير ما تقدم. قوله: ﴿ وَأَنَاْ أَعْلَمُ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ تُلْقُونَ ﴾ و ﴿ تُسِرُّونَ ﴾.
قوله: (طريق الهدى) أشار بذلك إلى أن ﴿ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ مفعول ﴿ ضَلَّ ﴾.
قوله: ﴿ إِن يَثْقَفُوكُمْ ﴾ الخ، كلام مستأنف مبين لوجه العداوة. قوله: ﴿ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً ﴾ أي يظهروا العداوة لكم. قوله: ﴿ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ عطف على جملة الشرط، والجزاء فقد أخبر عنهم بخبرين: عداوتهم ومودتهم كفر المؤمنين. قوله: ﴿ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ ﴾ هذا تخطئة لحاطب في رأيه كأنه قال: لا تحملكم قراباتكم وأولادكم الذين بمكة على خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وترك مناصحتهم، ونقل أخبارهم، وموالاة أعدائهم، فإنه لا تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم الذي عصيتم الله لأجلهم. قوله: (من العذاب) متعلق بقوله: ﴿ لَن تَنفَعَكُمْ ﴾.
قوله: ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ إما متعلق بما قبله فيوقف عليه ويبتدأ بيفصل بينكم، أو متعلق بما بعده فيوقف على أولادكم ويبتدأ بيوم القيامة. قوله: (بالبناء للمفعول) أي مع التخفيف والتشديد، وقوله: (والفاعل) أي معهما أيضاً، فالقراءات أربع سبيعات. قوله: (وبينهم) أي الأرحام والأولاد. قوله: (فتكون في الجنة) أي فلا ينبغي موالاة الكفار، لأنه لا اجتماع بينكم وبينهم في الآخرة.