قوله: (قد) ﴿ أَتَىٰ ﴾ أي فليست ﴿ هَلْ ﴾ للاستفهام لأنه محال عليه تعالى: وقيل إنها للاستفهام التقريري، والمعنى: أتقرون بأنه أتى على الإنسان حين من الدهر؟ وجوابه: نعم، فالمقصود إلزام الخصم المنكر للبعث أنه قال: القادر على إيجاد الإنسان من العدم، قادر على إعادته، وهو بهذا المعنى صحيح أيضاً، ففي الآية تقريران. قوله: ﴿ عَلَى ٱلإِنسَانِ ﴾ فسره هنا بآدم، وفيما يأتي بالجنس، وفيه أن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عيناً، إلا أن يجاب بأن القاعدة اغلبية، أو يقدر مضاف في قوله: ﴿ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾ أي ذريته، والإضافة تأتي لأدنى ملابسة. قوله: (أربعون سنة) أي مرت عليه قبل أن تنفخ فيه الروح، وهو ملقى بين مكة والطائف، روي أن آدم خلق من طين، فأقام أربعين سنة، ثم من حمإ مسنون فأقام أربعين سنة، ثم من صلصال، فأقام أربعين سنة، ثم خلقه مائة وعشرين سنة، ثم نفخ فيه الروح، إذا علمت ذلك، فقول المفسر أربعون سنة، أي باعتبار كونه طيناً، وإلا فقد مر عليه مائة وعشرون سنة، لم يكن شيئاً مذكور. إن قلت: إن مقتضى الآية تسمى إنساناً في حال كونه طيناً، مع أنه في ذلك الوقت لم يكن شيئاً مذكوراً. أجيب: بأن التسمية باعتبار ما آل إليه نظير﴿ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً ﴾[يوسف: ٣٦].
قوله: (أو المراد بالإنسان الجنس) أي الصادق بآدم وأولاده، وقوله: (وبالجن مدة الحمل) أي ما يشمل مدة الحمل بالنسبة للذرية، والمائة والعشرين بالنسبة لآدم، لأن الحين هو المدة المحدودة، كثيرة أو قليلة. قوله: ﴿ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ هي في الأصل الماء في الوعاء، ويطلق على الماء الشافي قل أو كثر، سمي به مني الرجل والمرأة، ليسارتهما ووضعهما في الرحم. قوله: ﴿ أَمْشَاجٍ ﴾ جميع مشج بفتحتين، أو مشج بكسر فسكون، أو مشيج بفتح فكسر كشريف، والمعنى: من نطفة قد امتزج فيها الماءان، وكل منهما مختلف الأجزاء، متباين الأوصاف، في الرقة والثخن، فماء الرجل غليظ ابيض، وماء المرأة رقيق اصفر، فإيهما علا كان الشبه له، وإن سبق ماء الرجل، كان الولد ذكراً، وعكسه انثى، وإن استويا فخنثى مشكل، وقال ابن عباس: يختلط ماء الرجل بماء المرأة، فيخلق منهما الولد، فما كان من عصب وعظم وقوة فمن نطفة الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة. قوله: (أخلاط) جمعه باعتبار تعدد الأوصاف في الماءين كما علمت. قوله: (أي مريدين ابتلاءه) جواب عما يقال: إن الابتلاء بمعى الاختبار بالتكليف، إنما يكون بعد جعله ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ لا قبله، فأجاب: بأنه حال مقدرة مؤولة بقوله: (مريدين ابتلاءه) وإرادة الابتلاء سبب لجعله سمعياً بصيراً. وجعله سميعاً بصيراً للابتلاء، بالفعل، فلم يكن في الآية تقديم ولا تأخير. قوله: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ ﴾ (بسبب ذلك) أي بسبب إرادتنا ابتلاءه. قوله: ﴿ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ أي عظيم السمع والبصر، وخصهما بالذكر لأنهما انفع الحواس، وقدم السمع لأنه أنفع في المخاطبات، ولأن الآيات المسموعة أبين من الآيات المرئية، ولأن البصر يعم البصيرة، وهي تتضمن الجميع، فيكون من ذكر العام بعد الخاص.


الصفحة التالية
Icon