قوله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴾ الخ، إنما أتى بضمائر الغيبة، تلطفاً به صلى الله عليه وسلم واجلالاً له، لما في المشافهة بتاء الخطاب، ما لايخفى من الشدة والصعوبة، وهذا نظير تقديم العفو على العتاب في قوله:﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾[التوبة: ٤٣]﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ ﴾[الانفال: ٦٨] الخ، وناهيك بذلك محبة وشرفاً، ومن ذلك قول عائشة: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، فسيئات المحبوب حسنات، قال أبو الحسن الشاذلي: واجعل سيئاتنا سيئات من أحببت. قوله: (كلح) بالتخفيف من باب خضع، ووجه فاعل. قوله: ﴿ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ ﴾ تنازعه كل من عبس وتولى، أعمل الأول على مذهب الكوفيين، والثاني على مذهب البصريين، واضمر في المهمل وحذف. قوله: (عبد الله) أي ابن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي، اشتهر بأم أبيه أم مكتوم، واسمها عاتكة بنت عامر المخزومي، أسلم قديماً بمكة، وكان ابن خالة خديجة بنت خويلد، واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرة في غزواته، قتل شهيداً بالقادسية، قال أنس بن مالك: رأيته يوم القادسية وعليه درع ومعه راية سوداء. قوله: (فقطعه عما هو مشغول به) ما واقعة على القول بدليل قوله: (من يرجو إسلامه من أشراف قريش) ففيه اطلاق ما على العاقل، وهو مذهب سيبويه. قوله: (الذي هو حريص على إسلامهم) نعت لأشراف قريش، وكان المناسب التعبير بالذين. قوله: (فناداه) أي وكرر ذلك، قوله: (مما علمك الله) أي وهو القرآن والإسلام، وإيضاح ما قاله المفسر: أن الأعمى جاءه وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، يدعوهم إلى الإسلام، رجاء ان يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم، فيتأيد بهم الإسلام، ويسلم بإسلامهم أتباعهم، فتعلو كلمة الله تعالى، فقال: يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله تعالى، وكرر ذلك وهو لا يعلم، فتشاغل النبي صلى الله عليه وسلم بالقوم، فكره رسول الله قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد، إنما اتبعه العميا والعبيد والسفلة، فعبس وجهه وأعرض عنه، وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فأنزل الله هذه الآيات. إن قلت: إن ابن أم مكتوم أعطاه الله من السمع ما يغني عن البصر، فهو وإن لم ير القوم، لكنه لشدة سمعه، كان يسمع مخاطبة النبي معهم، وحينئذ فيكون اقدامه على قطع كلام رسول الله إيذاء له فيكون معصية، فكيف يعاتب عليه صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يقول المفسر (ولم يدر الأعمى) الخ، أجيب: أن عدم علمه، لعله من أجل دهشته بقدومه على رسول الله، ولا شك أن جلاله صلى الله عليه وسلم وجماله يدهش العقول، ولا سيما بالمحب المشتاق الراغب في التعليم، وعتابه صلى الله عليه وسلم بالنظر لما علمه الله من طردهم عن رحمته، لا بالنظر الظاهر شرعه، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم لم يفعل مكروهاً، ولا خلاف الأولى، إذ الأهم مقدم على المهم، وإنما ذلك من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (ويبسط له رداءه) أي ويقول له: هل من حاجة؟قوله: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، و ﴿ مَا ﴾ استفهامية مبتدأ، وجملة ﴿ يُدْرِيكَ ﴾ خبره، والكاف مفعول أول، وجملة قوله: ﴿ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ ﴾ سادة مسد المفعول الثاني. قوله: (أي يتطهر من الذنوب) أي لا من الشرك، لأنه أسلم قديماً بمكة. قوله: ﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ ﴾ عطف على ﴿ يَزَّكَّىٰ ﴾.
قوله: ﴿ فَتَنفَعَهُ ﴾ بالرفع عطف على ﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ ﴾.
قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ ﴾ أي عما عندك من الإيمان والقرآن والعلوم. قوله: ﴿ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ ﴾ الجار والمجرور متعلق بتصدى، قدم عليه رعاية للفاصلة، وأصل ﴿ تَصَدَّىٰ ﴾ تصدد، أبدلت الدال الثانية حرف علة. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (تقبل) أي بالإصغاء إلى كلامه. قوله: ﴿ وَمَا عَلَيْكَ ﴾ الخ ﴿ مَا ﴾ نافية، و ﴿ عَلَيْكَ ﴾ خبر مبتدأ محذوف، وقوله: ﴿ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ ﴾ متعلق بالمبتدأ المحذوف، والتقدير ليس عليك بأس في عدم تزكيته.