قوله: (مبتدئاً) ﴿ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ أي قل: باسم الله ثم اقرأ ما يوحي إليك، فالياء متعلقة بمحذوف حال، ومفعول ﴿ ٱقْرَأْ ﴾ محذوف، وقيل: إن الباء مزيدة، والتقدير ﴿ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ وعبر بالرب تلطفاً به صلى الله عليه وسلم، وإشارة إلى أنه تعالى، كما ربى جسمه، يربي أمته وقرآنه، قال البوصيري في هذا المعنى: سور منه أشبهت صوراً منا ومثل النظائر النظراءوإضافة رب إلى كاف الخطاب للتشريف. قوله: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ ﴾ يجوز أن يكون الثاني توكيداً لفظياً نظير: قام قام زيد، ويجوز أن يكون تفسيراً للأول، أبهمه ثم فسره تفخيماً بـ ﴿ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ ﴾ ويجوز أن يكون حذف المفعول من الأول تقديره ﴿ خَلَقَ ﴾ (الخلائق) كما قال المفسر، وقوله: ﴿ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ ﴾ تخصيص له بالذكر لشرفه. قوله: (الجنس) أي الصادق بالذكر والأنثى. قوله: (جمع علقة) أي لأن كل واحد مأخوذ من علقة كما في الآية الأخرى، وأطلق الجمع على العلق تسمحاً أو هو جمع لغوي، وإلا فـ ﴿ عَلَقٍ ﴾ اسم جنس جمعي. قوله: (من الدم الغليظ) أي الذي أصله المني، فأول الأطوار المني، ثم العلقة وهو الدم الغليظ المتجمد، ثم المضغة، إلى آخر ما ذكر الله تعالى في آية المؤمنون. قوله: (تأكيد للأول) هذا أحد قولين، والآخر أنه تأسيس، فالأول معناه اقرأ في نفسك، والثاني معناه اقرأ للتبليغ وتعليم الأمة. قوله: (الذي لا يوازيه كريم) أي لا يساويه فضلاً عن أن يزيد عليه، لأنه تعالى يعطي الشيء من غير عوض ولا غرض، وليس ذلك لأحد غيره. قوله: (حال من ضمير اقرأ) أي فالمعنى: اقرأ ما يوحي إ ليك، والحال أن ربك الأكرم لا ينتظر منك عوضاً ولا يخزيك، فهو تطمين له صلى الله عليه وسلم حيث خشي على نفسه أن لا يقوم بما أمره به ربه. قوله: ﴿ ٱلَّذِى عَلَّمَ ﴾ ﴿ عَلَّمَ ﴾ ينصب مفعولين، وهما محذوفان هنا، والتقدير: علم الإنسان الخط بالقلم، والمفسر قدر الثاني وسكت عن تقرير الأول اتكالاً على قوله بعد ﴿ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ ﴾.
قوله: (الخط) أي الكتابة التي بها تعرف الأمور الغائبة، وفيه تنبيه على فضل الكتابة، لما فيها من المنافع العظيمة، لأن بها ضبطت العلوم، ودونت الحكم، وعرفت أخبار الماضين وأحوالهم وسيرهم ومقالاتهم، ولولا الكتابة ما استقام أمر الدين ولا الدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطيف تدبيره دليل إلا القلم والخط لكفى فيه. قوله: ﴿ بِٱلْقَلَمِ ﴾ قال القرطبي: الأقلام الثلاثة في الأصل، القلم الأول: الذي خلقه الله تعالى بيده، وأمره أن يكتب في اللوح المحفوظ، والثاني: قلم الملائكة الذين يكتبون به المقادير والكوائن من اللوح المحفوظ، والثالث: أقلام الناس، يكتبون بها كلامهم، ويصلون بها إلى مآربهم، وعن عمر قال: خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده، ثم قال تعالى لسائر الحيوان، كن فكان وهي: القلم والعرش وجنة عدن وآدم عليه السلام. قوله: (إدريس) وقيل آدم. قوله: (الجنس) هذا أحد أقوال، وقيل: المراد به آدم، ومصدق ﴿ مَا ﴾ الأسماء كلها، فهو نظير﴿ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ﴾[البقرة: ٣١] وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (قبل تعليمه) متعلق بالنفي، والمعنى: علمه الشيء الذي انتفى علمه به قبل أن يعلمه.