قوله: ﴿ وَٱلْعَصْرِ ﴾ قسم من الله تعالى، وجوابه قوله: ﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ﴾.
قوله: (الدهر) الخ، هذا أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرها المفسر في معنى العصر، ووجه قسمة بالدهر، أنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، ونحو ذلك، ولأن العمر لا يقاوم بشيء، فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني، ثم ثبتت السعادة في اللمحة الأخيرة، بقيت في الجنة أبداً الآباد، فكان أشرف الأشياء في حياتك في تلك اللمحة، ولأن الدهر والزمان من جملة أصول النعم، وقوله: (أو ما بعد الزوال إلى الغروب) أي ووجه القسم به أن فيه العجائب، وأيضاً يدرك المقصر فيه ما فاته أول النهار، وقوله: (أو صلاة العصر) أي فأقسم بها لشرفها، ولأنها الصلاة الوسطى في قول، بدليل ما في مصحف عائشة وحفصة: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر. ولما ورد:" من فاتته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله ". وقيل: العصر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقسم بزمانه كما أقسم بمكانه في قوله:﴿ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ﴾[البلد: ١] وبعمره في قوله:﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾[الحجر: ٧٢] ففيه تنبيه على أن عصره أفضل العصور، وبلده أفضل البلاد، وحياته أفضل من حياة غيره، وقيل: ﴿ ٱلْعَصْرِ ﴾ زمانه وزمان أمته، لأنه ختام العصور وأفضلها، وفيه ظهور الساعة وعجائبها. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ﴾ مشى المفسر على أن المراد بالإنسان الجنس الشامل للمسلم والكافر، وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران، لأن الخسران، هو تضييع العمر، فإن كل ساعة تمر من عمر الإنسان، إما أن تكون تلك الساعة في طاعة أو معصية، فإن كانت في معصية فهو الخسران البين، وإن كانت في طاعة فلعل غيرها أفضل، وهو قادر عليه، فكان فعل غير الأفضل تضييعاً وخسراناً، وأيضاً ربح الإنسان في طلب الآخرة وحبها، والأعراض عن الدنيا، فلما كانت الأسباب الداعية إلى الآخرة خفية، والأسباب الداعية إلى حب الدنيا ظاهرة، وكثرة اشتغال الناس بحب الظاهر كانوا في خسار وبوار، قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم فيما لم يخلقوا له، وقوله: ﴿ لَفِى خُسْرٍ ﴾ أي غبن، وقيل هلكة، وقيل عقوبة، وقل شر، وقيل نقص، والمعنى متقارب، وقيل: المراد بالإنسان الكافر، بدليل استثناء المؤمنين بعد وخسرانه ظاهر.