قوله: (كلمة عذاب) أي كلمة يطلب بها العذاب ويدعى بها، على هذا فتكون الجملة إنشائية، سوغ الابتداء بها مع كونها نكرة، قصد الدعاء عليهم بالهلكة. إن قلت: كيف يدعو الله بذلك، مع أنه هو المنشئ للأفعال كلها؟ أجيب: بأنه طلب من نفسه إلحاق الويل لهم إظهاراً لآثار غضبه، كما يفعل الغضبان بمن غضب عليه، وتقدم ذلك. قوله: (أو واد في جهنم) أو لتنويع الخلاف، وعلى هذا فالجملة خبرية، ويكون ﴿ ويْلٌ ﴾ حينئذ معرفة لكونه علماً. قوله: ﴿ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ الهمز في الأصل الكسر، واللمز الطعن الحسيَّان، ثم خصا بالكسر لأعراض الناس والطعن فيهم، والتاء فيهما للمبالغة في الوصف، واطرد بناء فعلة بضم الفاء وفتح العين لمبالغة الفاعل، أي المكثر من الفعل، وإذا سكنت العين يكون المبالغة المفعول، يقال: رجل لعنة بفتح العين لمن كان يكثر لعن غيره، ولعنة بسكون العين إذا كان ملعوناً للناس، والهمز كاللمز وزناً ومعنى، وبابه ضرب. قال ابن عباس: هم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون العيب للبريء، وقال صلى الله عليه وسلم:" شر عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب ". وعلى هذا القول فاللمزة تأكيد للهمزة، من باب التأكيد بالمرادف، كقولهم: حسن بسن، وعفريت نفريت، وقيل: إن معناهما مختلف، فقال مقاتل: الهمزة الذي يعيبك في الغيب، واللمزة الذي يعيبك في الوجه، وقيل: بالعكس. وقيل: الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم. وقيل: الهمز باللسان واللمز بالعين، وقيل الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ، واللمزة الذي يكسر عينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبيه، وهذه الأقوال كلها ترجع إلى الطعن وإظهار العيب، فيدخل في ذلك من يحاكي الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه. قوله: (وغيرهما) أي كلأخنس بن شريق، والعاص بن وائل السهمي، وجميل بن معمر، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذا وعيد لمن يغتاب المسلمين، ولا سيما العلماء والصلحاء، ولكن يقال: هو مخلد في النار إن مات كافراً، وإلا فهو تحت المشيئة. قوله: ﴿ ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ﴾ بدل من كل. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما سبعيتان، فقراءة التشديد تفيد التفاني والمبالغة، وفي الجمع بخلاف قراءة التخفيف، ونكر ﴿ مَالاً ﴾ للتعظيم. قوله: ﴿ وَعَدَّدَهُ ﴾ العامة على تشديد الدال الأولى، وقرئ شذوذاً بتخفيفها، والضمير إما عائد على المال والتقدير وجمع عدده أي أحصاه وعلمه، أو عائد على نفسه والمعنى جمع مالاً وجمع عدد نفسه من عشيرته وأقاربه، وعلى هذين الوجهين فـ ﴿ عَدَّدَهُ ﴾ اسم معطوف على ﴿ مَالاً ﴾، ويحتمل أن ﴿ عَدَّدَ ﴾ فعل ماض بمعنى عده، إلا انه غير مدغم. قوله: (وجعله عدة) الواو بمعنى أو، لأنهما تفسيران، فعلى الأول مأخوذ من العد، وعلى الثاني من العدة، بمعنى الاستعداد والإدخار لحوادث الزمن. قوله: ﴿ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ ﴾ الخ، إما مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما باله يجمع المال ويتهم به، أو حال من فاعل جمع. قوله: ﴿ أَخْلَدَهُ ﴾ هو ماض معناه المضارع، أي يظن لجهله أن ماله يوصله إلى رتبة الخلود في الدنيا، فيصير خالداً فيها ولا يموت، أو يعمل من تشييد البنيان وغرس الأشجار وعمارة الأرض، عمل من يظن أن ماله أبقاه حياً. قوله: (ردع) أي عن حسبانه المذكور، فالمعنى ليس الأمر كما يظن أن المال أخلده، وقيل: إن كلا بمعنى حقاً. قوله: (التي تحطم) أي تكسر، ففي ﴿ ٱلْحُطَمَةِ ﴾ مماثلة لعمله لفظاً ومعنى، لأنها بوزن ﴿ هُمَزَةٍ ﴾ و ﴿ لُّمَزَةٍ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ ﴾ استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لم تعلم قدر هو لها وعظمه إلا بوحي من ربك. قوله: ﴿ نَارُ ٱللَّهِ ﴾ الإضافة للتفخيم والتعظيم. قوله: (المعسرة) بالتخفيف والتشديد، أي المهيجة الشديدة اللهب التي لا تخمد أبداً. قوله: ﴿ ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ ﴾ أي تغشاها وتحيط بها، وخص الأفئدة بالذكر، لكونها ألطف ما في الجسد وأشده تألماً بأدنى عذاب، أو لأنها محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة، فهي منشأ الأعمال السيئة. قوله: (وألمها) أي القلوب. والمعنى: تألمها أشد من تألم غيرها من بقية البدن، ومن المعلوم أن الألم إذ وصل إ لى الفؤاد مات صاحبه، فهم في حال من يموت وهم لا يموتون، قال تعالى:﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ ﴾[طه: ٧٤] قال محمد بن كعب: تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد خلقوا خلقاً جديداً، فترجع تأكلهم وهكذا. قوله: (بالهمز وبالواو) أي فهما سبعيتان، وقرئ شذوذاً بضم فسكون، وهو تخفيف للقراءة الأولى، فعلى الضم يكون جمع عمود كرسول ورسل، وقيل: هو جمع عماد ككتاب وكتب، وعلى الفتح يكون اسم (جمع) لعمود، وقيل: هو جمع له، و ﴿ فِي ﴾ بمعنى الباء، أي مؤصدة بعمد ممدودة، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار، ومسامير من نار، وعمد من نار، فتطبق عليهم بتلك الأطباق، وتشد بتلك المسامير، وتمد بتلك العمد، فلا يقى فيها خلل يدخل فيه روح، ولا يخرج منه غم، وينسؤهم الرحمن على عرشه، أي يحجبهم عن رحمته، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ولا يستغيثون بعدما، وينقطع الكلام، فيكون كلامهم زفيراً وشيهقاً، فذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ ﴾ ". وقيل: إن النار داخل العمد، وهم داخلة ويطبق عليهم، وعليه درج ا لمفسر، وقيل: المعنى يعذبون بعمد، وقيل: العمد الأغلال في أعناقهم، وقيل: القيود في أرجلهم، وقيل: معنى عمد ممدودة دهر مؤبد لا آخر له.