﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ هذه السورة مكية وقيل مدنية ونزل أوائلها في مسلمين بمكة كرهوا الجهاد حين فرض بالمدينة وقيل في مهجع مولى عمر قتل ببدر فجزع أبوه وامرأته عليه وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة * "والناس فسر بمن نزلت فيه الآية وحسب يطلب مفعولين سدت ان وما بعدها من معمولها مسد المفعولين * أن يقولوا أو لأن يقولوا * وهم لا يفتنون جملة حالية قال الزمخشري إن قلت فأين الكلام الدال على المضمر الذي يقتضيه الحساب قلت هو في قوله: ﴿ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ وذلك أن تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا فالترك أول مفعولي حسب وقولهم آمنا هو الخبر وأما غير مفتونين فتقة للترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقوله فتركته جزر السباع ينشنه * ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن يقول تركتهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام * فإِن قلت ان يقولوا هو علة تركهم غير مفتونين وكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ قلت كما يقول خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب وقد كان التأديب والمخافة في قولك خرجت مخافة لشر وضربته تأديباً نعليلين وتقول أيضاً حسبت خروجهم لمخافة الشر وظننت ضربه للتأديب فنجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وجزاء " انتهى " هذا كلام فيه اضطراب ذكر أولاً أن تقديره أولاً غير مفتونين تتمة يعني أنه حال لأنه سبك ذلك من قوله: ﴿ وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ وهذ جملة حالية ثم ذكر أن يتركوا هنا من الترك الذي هو التصيير وهذا لا يصح لأن مفعول ضمير لا يستقيم أن يكون لقولهم إذ يصير التقدير أن يصيروا لقولهم وهم لا يفتنون وهذا كلام لا يصح وأمّا ما مثله من البيت فإِنه يصح أن يكون جزر السباع مفعولاً ثانياً لترك بمعنى صير بخلاف ما قدر في الآية وأما تقديره تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فلا يصح إذا كان تركهم بمعنى تصييرهم وكان غير مفتونين حالاً إذ لا ينعقد من تركهم بمعنى تصييرهم ولقولهم مبتدأ وخبر لاحتياج تركهم بمعنى تصييرهم إلى مفعول ثان لأن غير مفتونين عنده حال لا مفعول ثان وأما قولهم فإِن قلت الخبر محتاج إلى فضلة فهم وذلك أن قوله: ان يقولوا هو علة تركهم فليس كذلك لأنه لو كان علة له لكان به متعلقاً كما يتعلق بالفعل ولكنه علة للخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن والخبر غير المبتدأ ولو كان لقولهم علة للترك لكان من تمامه فكان محتاجاً إلى خبر وأما قوله كما تقول خروجه لمخافة الضر فليس علة للخروج بل للخبر الذي هو مستقر أو كائن. و ﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ المؤمنون اتباع الأنبياء أصابهم من المحن ما فرق به المؤمن بالمنشار فرقتين ومشط بأمشاط الحديد ولا يرجع عن دينه.﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ﴾ بالإِمتحان الذين صدقوا في إيمانهم وليعلمن الكاذبين فيه من علم المتعدية إلى واحد فيهما ومستحيل حدوث العلم لله تعالى بالمعنى وليتعلقن علمه به موجوداً كما كان يتعلق به حين كان معروفاً والمعنى وليميزون الصادق منهم والكاذب قال ابن عطية أم معادلة للألف في قوله أحسب وكأنه عز وجل قرر الفريقين قرر المؤمن على ظنهم أنهم لا يفتنون وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات في تعذيب المؤمنين وغير ذلك على ظنهم أنهم يسبقون نقمات الله ويعجزونه " انتهى " ليست أم معادلة للألف أحسب كما ذكر لأنها إذ ذاك تكون متصلة ولها شرطان أحدهما أن يكون قبلها لفظ همزة الاستفهام وهذا الشرط هنا موجود والثاني أن يكون بعدها مفرد أو ما هو في تقدير المفرد مثال المفرد أزيد قام أم عمرو ومثال ما هو في تقدير المفرد أقام زيد أم قعد وجوابها تعيين أحد الشيئين إن كان التعادل بين شيئين أو الأشياء ان كان التعادل بين أكثر من شيئين وهنا بعد أم جملة ولا يمكن الجواب هنا بأحد الشيئين بل أم هنا منقطعة بمعنى بل التي للإِضراب بمعنى الإِنتقال من قصة إلى قصة لا بمعنى الإِبطال والإِستفهام هنا للتقرير والتوبيخ والإِنكار فلا يقتضي جواباً لأنه في معنى كيف وقع حسبان ذلك والذين يعملون السيئات قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة وأبا جهل وغيرهما من صناديد قريش والآية وإن نزلت على سبب فهي تعم جميع من يعمل السيئات من كافر ومسلم.﴿ أَن يَسْبِقُونَا ﴾ بمعنى أن يفوتونا.﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ تقدم الكلام عليه في البقرة.﴿ مَن كَانَ يَرْجُو ﴾ الظاهر أنها على بابها ومعنى لقاء الله الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء مثلت حاله بحال عبد قدم على مولاه من سفر بعيد وقد اطلع مولاه على ما يعمل في غيبته عنه فإِن كان عمل خيراً تلقاه بإِحسان أو شراً فبضد الإِحسان.﴿ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ ﴾ وما أجله وجعل له أجلاً لآتيه لا محالة فليبادر لما يصدق رجاءه * والظاهر أن قوله ومن جاهد معناه جاهد نفسه بالصبر على الطاعات بثمرة جهاده وهو الثواب المعدلة إنما هي له لا لله تعالى والله غني عنه وعن العالمين.﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ في جامع الترمذي أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص آلت أمه أن لا تطعم ولا تشرب حتى تموت أو يكفر بمحمد.﴿ وَوَصَّيْنَا ﴾ أي أمرناه بتعاهدهما ومراعاتهما وانتصب.﴿ حُسْناً ﴾ على أنه مصدر وصينا أي إيصاء حسناً أي ذا حسن أو على سبيل المبالغة أي هو من ذاته حسن.﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ قال ابن زيد: نزلت في المنافقين ولما ذكر تعالى ما أعده للمؤمنين ذكر حال المنافقين ناساً آمنوا بألسنتهم فإِذا آذاهم الكفار جعلوا ذلك الأذى وهو فتنة الناس صارفاً عن الإِيمان كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر ولنجعل اللام فيه لام الأمر وأكثر ما تدخل لام الأمر على المضارع المراد به الغائب كقوله: ثم ليقطع فلينظر وقد جاء في المخاطب قليلاً قرأ بعضهم فبذلك فليفرحوا وأما دخوله على المتكلم فهو قليل وقد جاء في الحديث وحولها على المضارع المتكلم قوموا فلا صل لكم والحمل هنا مجاز شبه القيام بما يتحصل من عواقب الإِثم بالحمل على الظهر والخطايا بالمحمول ولما كان الأمر يراد به الخبر صح فيه أن يكذب.﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ أي سؤال توبيخ وتقريع قال الزمخشري بعد كلام وهذا قول صناديد قريش كانوا يقولون لم آمن منهم لا نبعث نحن ولا أنتم فإِن عسى كان ذلك فنحن فتحمل عنكم الإِثم " انتهى " قوله: فإِن عسى كان تركيب أعجمي لا عربي لأن أن الشرطية لا تدخل على عسى لأنه فعل جامد ولا تدخل أدوات الشرط على القول الجامد وأيضاً فإِن عسى لا يليها كان واستعمل عسى بغير إسم ولا خبر ولم يستعملها تامة.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ ذكر هذه القصة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يلقى من أذى الكفار فذكر ما لقي أول الرسل نوح عليه السلام من أذى قومه المدد المتطاولة تسلية لخاتم الرسل صلوات الله عليه وسلم والواو في ولقد واو عطف عطفت جملة على جملة والاستثناء من الألف استدل به على جواز الاستثناء من العدد وفي كونه ثابتاً من لسان العرب خلاف مذكور في النحو واختلف في مقدار عمره حين بعث وحين مات اختلافاً كثيراً قال ابن عطية وقد يحتمل أن تكون المدة المذكورة مدة إقامته من لدن مولده إلى غرق قومه " انتهى " ليس عندي بمحتمل لأن اللبث تعقب بالفاء الدالة على التعقيب والضمير في وجعلناها يحتمل أن يعود على السفينة وأفرد آية وجاءت الفاصلة للعالمين لأن إنجاء السفن أمر معهود فالآية إنجاؤه تعالى أصحاب السفينة وقت الحاجة ولأنها بقيت أعواماً حتى مر عليها الناس ورأوها فحصل لهم العلم بها فناسب ذلك قوله للعالمين وانتصب إبراهيم عطفاً على نوحاً.﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ ﴾ هذه القصة تمثيل لقريش وتذكير لهم بحال أبيهم إبراهيم عليه السلام من رفض الأصنام والدعوى إلى عبادة الله تعالى.﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ﴾ قال ابن عباس هو نحت الأصنام وخلقها سماها إفكاً توسعاً من حيث يفترون بها الإِفك في أنها آلهة وقال مجاهد هو اختلاق الكذب في أمر الأوثان وغير ذلك ثم يعيده ثم الله ينشىء هاتان جملتان مستأنفتان إخبار من الله تعالى بالإِعادة بعد الموت وقدم ما قبل هاتين الجملتين على سبيل الدلالة على إمكان ذلك وإذا أمكن ذلك وأخبر الصادق بوقوعه صار واجباً مقطوعاً بعلمه لا شك فيه.﴿ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ أي تردون.﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ أي فائتين ما أراد الله بكم والظاهر أن قوله:﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ ﴾[الحج: ٤٢] من كلام الله تعالى حكاية عن إبراهيم إلى قوله: ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وقيل هذه الآيات اعتراض من كلام الله تعالى بين كلام إبراهيم والاخبار عن جواب قومه أي وإن يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم.﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ الآية لما أمرهم بعبادة الله تعالى وبين سفههم في عبادة الأوثان وظهرت حجته عليهم رجعوا إلى القلب فجعلوا القائم مقام جوابه فيما أمرهم به قولهم: اقتلوه أو أحرقوه والآمرون بذلك اما بعضهم لبعض أو كبراؤهم قالوا لاتباعهم اقتلوه فتستريحوا منه عاجلاً أو احرقوه بالنار فإِما أن يرجع إلى دينكم إذا مضته النار وإما أن يموت بها ان أصر على قوله ودينه في الكلام حذف تقديره فقذفوه في النار فأنجاه الله تعالى من النار وفي ذلك إشارة إلى خلوصه من النار بعد إلقائه فيها قال كعب لم يحترق منه بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه به وجاء هنا الترديد بين قتله وإحراقه فقد يكون ذلك من قائلين ناس أشاروا بالقتل وناس بالإِحراق وفي الأنبياء قالوا حرقوه اقتصروا على أحد الشيئين هو الذي فعلوه رموه في النار ولم يقتلوه وقرىء مودة بالرفع من غير تنوين وبينكم بفتح النون على خبران وما موصولة بمعنى الذي أي أن الأوثان التي اتخذتموها مودة وقرىء مودة منصوباً منوناً وبينكم ظرف معمول لمودة وقرىء مودة نصباً بغير تنوين مضافاً لقوله بينكم.﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ لم يؤمن بإِبراهيم أحد من قومه إلا لوط عليه السلام حين رأى النار لم تحرقه وكان ابن أخيه وسارة وكانت بنت عمه والضمير في وقال عائد على إبراهيم وهو الظاهر لتناسقه مع قوله ووهبنا له إسحٰق وكان إبراهيم ابن خمس وسبعين سنة وهو أول من هاجر في الله تعالى * وانتصب لوطاً بإضمار اذكر أو بالعطف على إبراهيم أو بالعطف على ما عطف عليه إبراهيم استفهم أولاً وثانياً استفهام توبيخ وإنكار وتقريع وبين ما تلك الفاحشة المبهمة في قوله: ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ ﴾ وإن كانت معينة انها إيتان الذكور في أدبارهم بقوله: ﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا ﴾.
﴿ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ ﴾ أي سبيل الولد بتعطيل الفروج ووطء أدبار الرجال قال الزمخشري: ما سبقكم بها جملة مستأنفة مقدرة يعني لقبح تلك الفعلة " انتهى " ويظهر أنها جملة حالية كأنه قال أتأتون الفاحشة مبتدعين لها غير مسبوقين بها وفي عموم قوله من أحد من العالمين دليل على أنه لم يفز ذكر على ذكر قبل قوم لوط.﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ﴾ أي في مجلسكم الذي تجتمعون فيه وهو إسم جنس إذ أنديتهم في مدائنهم كثيرة ولا يسمى نادياً إلا ما دام فيه أهله فإِذا قاموا عنه لم يطلق عليه ناد وإلا بمجاز والمنكر ما تنكره العقول والشرائع والمروآت من تضارطهم وتصافعهم وغير ذلك وهم أول من لاط ونساؤهم أول من ساحق ولما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح أصروا على اللجاج في التكذيب فكان جوابهم له أن قالوا: إئتنا بعذاب الله قالوا ذلك وهم مصممون على اعتقاد كذبه فيما وعدهم به ثم استنصر لوط عليه السلام ربه عليهم فبعث ملائكة لعذابهم ورميهم بالحاصب.﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً ﴾ تقدم الكلام عليه.