﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ الآية هذه السورة مكية وقرىء: تنزيل بالنصب على المصدر وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو تنزيل.﴿ لِتُنذِرَ ﴾ متعلق بتنزيل والظاهر أن قوله أغلالا هي الحقيقة لا استعارة لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون أخبر عن شىء من أحوالهم في الآخرة إذ دخلوا النار والظاهر عود الضمير في فهي إلى الأغلال لأنها هي المذكورة والمحدث عنها أي هي عريضة تبلغ بحرفها الأذقان والذقن مجتمع اللحيين فيضطر المغلول إلى رفع وجهه إلى السماء وذلك هو الاقماح وقال الفراء: القمح الذي يغض بصره بعد رفع رأسه. وقال الزجاج: يقال أقمح البصير رأسه عن ري وقمح هو وقال أبو عبيدة قمح قموحاً رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب والجمع قماح. ومنه قول بشر يصف سفينة أخذهم الميد فيها: ونحن على جوانبها قعود   نغض الطرف كالإِبل القماح﴿ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ﴾ مبالغة في عدم إيصال الخير إليهم والسد تقدم شرحه وقرىء بضم السين وفتحها فيهما.﴿ فَأغْشَيْنَاهُمْ ﴾ أي أغشينا أبصارهم جعلنا عليها غشاوة.﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ ﴾ تقدم الكلام عليه ولما ذكر تعالى أمر الرسالة وهي أحد الأصول الثلاثة التي يصير بها المكلف مؤمناً ذكر الحشر وهو أحد الأصول الثلاثة والثالث هو التوحيد فقال:﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ أي بعد إماتتهم.﴿ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ ﴾ كناية عن المجازاة أي ونحصر فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء.﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾ أي خطاهم إلى المساجد والسير الحسنة والسيئة وما قدموا من النيات الصالحة.﴿ وَكُلَّ شيْءٍ ﴾ نصب على الاشتغال والإِمام المبين اللوح المحفوظ.﴿ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ ﴾ تقدم الكلام على أضرب مع المثل في البقرة والقرية أنطاكية بلا خلاف أي قصة أصحاب القرية.﴿ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾ هم ثلاثة جمعهم في المجيء وإن اختلفوا في زمان المجيء.﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ ﴾ الظاهر من أرسلنا أنهم أنبياء أرسلهم الله تعالى ويدل عليه قول المرسل إليهم.﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ وهذه المحاورة لا تكون إلا مع من أرسله الله تعالى وهو قول ابن عباس وكعب.﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾ أي دعواهم إلى الله تعالى وأخبرا أنهما رسولا الله فكذبوهما.﴿ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ أي قوينا وشددّنا ويقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ويقال للأرض الصلبة العزاز.﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ أي تشاء منا بكم قال مقاتل: احتبس عليهم المطر وقيل أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم الرسل.﴿ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ أي بالحجارة. و ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ هو الحريق.﴿ قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ﴾ أي حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم أي من أفعالكم أي ليس هو من أجلنا بل بكفركم.﴿ أَئِن ذُكِّرْتُم ﴾ ثم محذوف تقديره تطيرتم.﴿ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ ﴾ إسمه حبيب قاله ابن عباس قيل وهو ابن إسرائيل وكان قصاراً وقيل غير ذلك ومن أقصى المدينة أي من أبعد مواضعها وقيل كان مجذوماً عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره فلما دعاه الرسل إلى عبادة الله تعالى قال هل من آية قال: نعم ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك فقال: إن هذا لعجيب سبعون سنة ادعوا هذه الآلهة فلم تستطع يفرجه ربكم في غداة واحدة قالوا: نعم ربنا على ما يشاء قدير وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر فآمن ودعوا ربهم فكشف الله ما به كأن لم يكن به بأس فأقبل على التكسب فإِذا أمسى تصدق بكسبه نصف لعياله ونصف يطعمه فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال: يا قوم اتبعوا المرسلين وحبيب هذا ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن بنبي غيره أحد إلا بعد ظهوره ومعنى يسعى يمشي على قدميه.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ الظاهر أنه لا يقول ذلك إلا بعد تقدم إيمانه كما سبق في قصته وقيل جاء يسعى وسمع قولهم وفهمه فلما فهمه روي أنه تعقب أمرهم وسبره بأن قال لهم أتطلبون أجراً على دعوتكم هذه قالوا: لا فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإِيمان بهم واحتج عليم بقوله:﴿ ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ﴾ أي وهم على هدى من الله تعالى أمرهم أولاً باتباع المرسلين أي هم رسل الله إليكم فاتبعوهم ثم أمرهم ثانياً بجملة جامعة في الترغيب في كونهم لا ينقص منهم من حطام الدنيا شىء وفي كونهم يهتدون بهداهم فيشتملون على خير الدنيا وخير الآخرة وقد أجاز بعض النحويين في من ان تكون بدلاً من المرسلين ظهر فيه العامل كما ظهر إذا كان حرف جر كقوله تعالى:﴿ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾[الزخرف: ٣٣] والجمهور لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب بدلاً بل يجعلون ذلك مخصوصاً بحرف الجر وإذا ذكر الرافع والناصب سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل.﴿ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ موضع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ولذلك قال:﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ولولا أنه قصد ذلك لقال وإليه أرجع ثم أتبع الكلام كذلك مخاطباً لنفسه فقال:﴿ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ قاصرة عن كل شىء لا تشفع ولا تضر ولا تنفع فإِن أرداكم الله بضر وشفعت لكم لم تنفع.﴿ شَفَاعَتُهُمْ ﴾ ولم يقدروا على إنقاذكم فبدأ أولاً بانتفاء الجاه في كون شفاعتهم لا تنفع ثم ثانياً بانتفاء الإِنقاذ عنه إذ هو نتيجة ثم صرح بإِيمانه وصدع بالحق فقال مخاطباً لقومه.


الصفحة التالية
Icon