﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴾ هذه السورة مكية ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة لأنه قال أم يقولون تقوله أي اختلق القرآن ونسبوه إلى الشعر وقالوا: هو كاهن هو مجنون فأقسم تعالى أنه عليه السلام ما ضل وأن ما يأتي به هو وحي من الله تعالى وهي أول سورة أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءتها في الحرم والمشركون يسمعون وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإِنس غير أبي لهب فإِنه رفع حفنة من التراب إلى جبهته وقال: يكفي هذا وسبب نزولها قول المشركين ان محمداً يختلق القرآن وأقسم تعالى بالنجم وهو هنا إسم جنس والمراد النجوم إذا هوت أي غربت وقيل النجم معين وهو الثريا وهويها سقوطها مع الفجر وهو علم عليها بالغلبة ولا تقول العرب النجم مطلقاً إلا للثريا وإذا ظرف زمان والعامل فيه محذوف تقديره كائناً إذا هوى وكائناً منصوب على الحال أقسم تعالى بالنجم في حال هويه.﴿ مَا ضَلَّ ﴾ جواب القسم. و ﴿ صَاحِبُكُمْ ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ وَمَا يَنطِقُ ﴾ أي الرسول عليه السلام.﴿ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾ أي عن هوى نفسه.﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ ﴾ من عند الله.﴿ يُوحَىٰ ﴾ إليه.﴿ عَلَّمَهُ ﴾ الضمير عائد على الرسول عليه السلام فالمفعول الثاني محذوف أي علمه الوحي أو على القرآن فالمفعول الأول محذوف أي علمه الرسول.﴿ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴾ هو جبريل عليه السلام وهو مناسب للأوصاف التي بعده.﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ أي ذو قوة ومنه لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوي.﴿ فَٱسْتَوَىٰ ﴾ أي جبريل في الجو.﴿ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ إذ رآه الرسول عليه السلام بحراء قد سدّ الأفق له ستمائة جناح وحينئذٍ دنا من محمد صلى الله عليه وسلم حتى كان قاب قوسين وكذلك هو المرئي في النزلة الأخرى له ستمائة جناح عند سدرة المنتهى.﴿ ثُمَّ دَنَا ﴾ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.﴿ فَتَدَلَّىٰ ﴾ فتعلق عليه في الهواء.﴿ فَكَانَ ﴾ مقدار مسافة قربه منه مثل.﴿ قَابَ قَوْسَيْنِ ﴾ أي قدر قوسين فحذفت هذه المضافات والظاهر أن الدنو والتدلي كان بين جبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك قوله:﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ﴾ وسدرة المنتهى قيل هي شجرة نبق في السماء السابعة ثمرها كتلال هجر وورقها كآذان الفيلة تنبع من أصلها التي تذكرها الله تعالى في كتابه يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها والمنتهى موضع الانتهاء كأنه ينتهي إليها علم كل عالم ولا يعلم ما وراءها صعداً إلى الله تعالى. وقال الشاعر في وصفه صلى الله عليه وسلم: إلى السدرة العليا تسامى حقيقة   فكان به المجد المؤثل للسدر﴿ عِندَهَا ﴾ الضمير عائد على السدرة.﴿ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ﴾ فيه إبهام الموصول وصلته لتعظيم الغاشي وتكثير الذي يغشاها إذ ذاك أشياء لا يعلم وصفها إلا الله تعالى.﴿ مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ ﴾ أي ما مال لا هكذا ولا هكذا.﴿ وَمَا طَغَىٰ ﴾ أي ما جاوز المرئي إلى غيره بل وقع عليه وقوعاً صحيحاً وهذا تحقيق للأمر ونفي للريب عنه.﴿ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ قيل الكبرى مفعول رأى أي رأى الآيات الكبرى والعظمى التي هي بعض آيات ربه أي حين رقي إلى السماء رأى عجائب الملكوت وتلك بعض آيات الله تعالى وقيل من آيات هو في موضع المفعول والكبرى صفة لآيات ربه ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة وحسن ذلك هنا كونها فاصلة.﴿ أَفَرَأَيْتُمُ ﴾ خطاب لقريش ولما قرر الرسالة أولاً واتبعه بما اتبعه من ذكر عظمة الله تعالى وقدرته الباهرة بدأ بذكر التوحيد والمنع عن الإِشراك بالله تعالى فوقفهم على حقارة معبوداتهم وهي الأوثان وأنها ليست لها قدرة واللات صنم كانت العرب تعظمه. قال قتادة: كان بالطائف. وقرىء اللات، قال ابن عباس: كان هذا رجلاً بسوق عكاظ يلت السمن والسويق عند صخرة وقيل كان ذلك الرجل من بهزيلت السويق للحاج على حجر فلما مات عبدوا الحجر الذي كان عنده إجلالاً لذلك الرجل وسموه باسمه.﴿ وَٱلْعُزَّىٰ ﴾ صنم وقيل صخرة كانت بغطفان وأصلها تأنيث الأعز بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها وخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يديها على رأسها فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول: يا عز كفرانك لا سبحانك   إني رأيت الله قد أهانكورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام:" تلك العزى ولن تعبد أبداً ".﴿ وَمَنَاةَ ﴾ قيل صخرة كانت لهذيل وخزاعة وقيل غير ذلك والذي يظهر أنها كانت ثلاثتها في الكعبة لأن المخاطب بذلك قوله: " أفرأيتم هم قريش " والظاهر أن.﴿ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ ﴾ صفتان لمناة وهما يفيدان التوكيد قيل ولما كانت مناة هي أعظم هذه الأوثان أكدت بهذين الوصفين كما تقول: أرأيت فلاناً وفلاناً ثم تذكر ثالثاً أجل منهما فتقول وفلاناً الآخر الذي من أمره وشأنه ولفظة آخر وأخرى يوصف به الثالث من المعدودات وذلك نص في الآيات: " واللات والعزى " ومناة منصوبة بقوله: " أفرأيتم " وهي بمعنى أخبرني والمفعول الثاني الذي لها هو قوله:﴿ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ ﴾ على حد ما تقرر في متعلق أرأيت إذا كانت بمعن أخبرني ولم يعد ضمير من جملة الاستفهام على اللات والعزى ومناة لأن قوله وله الأنثى هو في معنى وله هذه الإِناث فأغنى عن الضمير وكانوا يقولون في هذه الأصنام هي بنات الله تعالى فالمعنى ألكم النوع المستحسن المحبوب الموجود فيكم وله النوع المذموم بزعمكم وهو المستثقل وحسن إيراد الأنثى كونه نصاً في اعتقادهم أنهن إناث وأنهن بناته تعالى وإن كان في لحاق تاء التأنيث في اللات وفي مناة وألف التأنيث في العزى ما يشعر بالتأنيث لكنه قد يسمى المذكر بالمؤنث في قوله الأنثى. نص على اعتقاد التأنيث فيها وحسن ذلك أيضاً كونه جاء فاصلة إذ لو أتى ضميراً فكان التركيب ألكم الذكر وله هن لم تقع فاصلة عندكم والإِشارة بتلك إلى قسمتهم وتقريرهم أن لهم الذكران ولله البنات وكانوا يقولون ان هذه الأصنام والملائكة بنات الله تعالى. و ﴿ ضِيزَىٰ ﴾ أي جائرة يقال ضاز يضوزه ويضيزه وضأزه يضأزه وقرىء ضيزى بغير همز وبالهمز ووزنها فعلى والألف فيها للتأنيث.﴿ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾ هو ترجيح أحد الجائزين.﴿ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ ﴾ أي تميل إليه بلذة وإنما تهوى أبداً ما هو غير الأفضل لأنها مجبولة على حب الملاذ وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة والعقل.﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم ﴾ توبيخ لهم فالذي هم عليه فاصل واعتراض بين الجملتين أي يفعلون هذه القبائح والهدى قد جاءهم فكانوا أولى من يقبله ويترك عبادة من لا تجدي عبادته شيئاً.﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ ﴾ هو متصل بقوله: ﴿ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ ﴾ أي بل للإِنسان والمراد به الجنس.﴿ مَا تَمَنَّىٰ ﴾ ما تعلقت به أمانيه أي ليست الأشياء والشهوات تحصل بالأماني بل الأمر لله تعالى فقولكم ان آلهتكم تشفع وتقرب زلفى ليس لكم ذلك.﴿ فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ ﴾ أي هو مالكها فيعطي منها من يشاء ويمنع من يشاء وليس لأحد أن يبلغ منها إلا ما شاء الله تعالى له وقدم الآخرة في الذكر لشرفها وديمومتها وآخر الأولى لتأخيرها في ذلك ولكونها فاصلة فلم يراع الترتيب الوجودي كقوله:﴿ وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ ﴾[الليل: ١٣].


الصفحة التالية
Icon