﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ ﴾ الآية، هذه السورة مكية ولما ذكر فيها قبلها تكذيب الكفار للقرآن نبه هنا على حقارة الإِنسان ثم استطرد منه إلى أن هذا القرآن قول فصل جد لا هزل فيه ولا باطل يأتيه ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإِمهال أولئك الكفرة المكذبين وهي آية موادعة منسوخة بآية السيف والسماء هي السماء المعروفة والطارق هو الآتي ليلاً أي يظهر بالليل أتى بالطارق مقسماً به وهي صفة مشتركة بين النجم الثاقب وغيره ثم فسره بقوله النجم الثاقب إظهاراً لفخامة ما أقسم به، والنجم الثاقب قال ابن عباس: هو الجدي.﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ ﴾ إن هي المخففة من الثقيلة وما زائدة وحافظ خبر كل وعليها متعلق به وعند الكوفيين ان نافية واللام بمعنى الا وما زائدة وكل حافظ مبتدأ وخبر والظاهر عموم كل نفس ولما ذكر أن كل نفس عليها حافظ أتبع ذلك بوصية الإِنسان بالنظر في أول نشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل لذلك ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته ومم خلق استفهام ومن متعلقة بخلق والجملة في موضع نصب بفلينظر وهي معلقة وجواب الاستفهام وما بعده وهو خلق من ماء دافق وهو مني الرجل والمرأة لما امتزجا في الرحم واتحدا عبر عنهما وهو مفرد ودافق بمعنى مدفوق.﴿ يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ ﴾ أي تحتبر والسرائر ما أكنته القلوب من العقائد والنيات وما أخفته الجوارح من الأعمال والظاهر عموم السرائر ولما كان الامتناع في الدنيا إما بقوة في الإِنسان وإما بناصر خارج عن نفسه نفي عنه تعالى ما يمتنع به وأتى بمن الدالة على العموم في نفي القوة والناصر.﴿ وَٱلسَّمَآءِ ﴾ أقسم ثانياً بالسماء وهي المظلة.﴿ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ ﴾ قال ابن عباس: الرجع السحاب فيه المطر والصدع ما تنصدع عنه الأرض من النبات والضمير في أنه عائد على الكلام الذي أخبر فيه يبعث الإِنسان يوم القيامة وابتلاء سرائره أي أن ذلك لقول جزم مطابق للواقع لا هزل فيه فيكون الضمير قد عاد على مذكور وهو الكلام الذي تضمن الإِخبار عن البعث وليس من الإِخبار التي فيها هزل بل هو جد كله.﴿ إِنَّهُمْ ﴾ أي الكافرين.﴿ يَكِيدُونَ ﴾ أي من ابطال أمر الله تعالى وإطفاء نور الحق.﴿ وَأَكِيدُ ﴾ أي أجازيهم على كيدهم فسمي الجزاء كيداً على سبيل المقابلة نحو قوله:﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ ﴾[آل عمران: ٥٤] ثم أمره عليه السلام فقال:﴿ فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أي انتظر عقوبتهم ولا تستعجل ذلك ثم أكد أمره فقال:﴿ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ مصدر أرود يرود مصغر تصغير الترقيم أذ أصله أرواداً وقيل هو تصغير رود من قول الشاعر: يكاد لا تلثم البطحاء وطأته كأنه ثمل يمشي على رودأي على مهل ويستعمل مصدراً نحو رويد عمرو بالإِضافة أي إمهال عمرو ونعتاً لمصدر نحو ساروا سيراً رويداً وحالاً نحو سار القوم رويداً ويكون إسم فعل بمعنى أمهل قال الشاعر: رويداً بني شيبان بعض وعيدكم تلاقوا غداً خيلي على سفوانسفوان موضع ونصب بعض برويد إسم الفعل فسيحيط بهم العذاب كما كان في يوم بدر وغيره لما كرر الأمر توكيداً خالف بين اللفظين على أن الأول مطلق والثاني: مقيد بقوله: رويداً.