لَمَّا أثنى على الصَّحابة وبين علوهم، نهاهم عمَّا يوجب انحطاطهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ ﴾: أمْراً، ولا تتقدموا قولا فعلا ﴿ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: أي: قبل إذنهما ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾: لقولكم ﴿ عَلِيمٌ ﴾: بفعلكم، نزلت في صوم يوم الشك أو النحر قبل الصلاة، أو تنازع الشيخين في حضرته صلى الله عليه وسلم ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ ﴾: في المكاملة ﴿ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾: كراهة ﴿ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ﴾ إذ في الجهر استخفاف يؤدي إلى الكفر المُحْبط وهو مجاز عن انحطاط المنزلة ﴿ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾: بحبطها ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ ﴾: يخْفِضون ﴿ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾: كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد نزولها ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ﴾: أخلص ﴿ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾: تخليص الذهب عن الخبث وعن عمر رضي الله عنه: أذهب الشبهات عنها ﴿ لِلتَّقْوَىٰ ﴾: لإظهار تقواهم ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾: عظيمةٌ ﴿ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ﴾: خارج ﴿ ٱلْحُجُرَاتِ ﴾: التي لنسائه عليه الصلاة والسلام كعُيَيْنة، والأقرع التميْمِيّيْن ﴿ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾: إذ العقل يقتضي الأدب ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ ﴾: أي: لو ثبت صبرهم ﴿ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ ﴾: الصبر ﴿ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: لمن تاب ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ﴾: كالوليد بن عتبة، أرسله عليه الصلاة ولاسلام لأخذ زكاة بني المُصْطلق فاستقبلوه فخافهم لعداوتهم في الجاهلية ورجع وقال: منعوها فهمَّ عليه الصلاة والسلام بعزوهم، فجاءوا منكرين ذلك ﴿ فَتَبَيَّنُوۤاْ ﴾: تفحصوا صدقة كراهة ﴿ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا ﴾: بُرَآء ﴿ بِجَهَالَةٍ ﴾: جاهلين بهم ﴿ فَتُصْبِحُواْ ﴾ تصيروا ﴿ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾: أفاد بترتيب الحكم على الفسق، جواز قبول خبر عدل واحد ﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ ﴾: على حاله ﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ ﴾: كما أشار بعضكم بإيقاعه ببني المصطلق ﴿ لَعَنِتُّمْ ﴾: لوَقَعتهم في إثم وجهد، أفهم أنه عليه الصلاة والسلام قد يوافقهم، ويعضده:﴿ وَشَاوِرْهُمْ... ﴾[آل عمران: ١٥٩] إلى آخره ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ ﴾: الكبائر ﴿ وَٱلْعِصْيَانَ ﴾: الصغائر، وهذه الكرامة حملتكم على أمره بالإيقاع بهم لما سمعتم قول الوليد، وذه الثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: المستثنون ﴿ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ ﴾: إلى الطريق ﴿ فَضْلاً ﴾ تعليل لكره و " حبب " ﴿ مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بخلقه ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في فعله ﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ ﴾: كالأوس والخرزج حين أساء ابن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاد بإنْ، أنه ينبغي قِلَّته بينهم ﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ﴾: بالنصح والدعاء إلى الشرع، جمع للمعني، وثنى للفظ ﴿ فَإِن بَغَتْ ﴾: تعدت ﴿ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ ﴾: ترجع ﴿ إِلَىٰ أَمْرِ ﴾: حكم ﴿ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ ﴾: قيد به لأنه مظنة الحيف لكونه بعد المقاتلة ﴿ وَأَقْسِطُوۤاْ ﴾: اعدلوا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾: دينا ﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾: المتنازعين، خصَّ الاثنين لأنهما أقل المتقابلين ولنزوله في الأوس والخزرج وإيثار الأخوة الغالبة في النسب على الإخوان الغالبة في الصَّداقة للتأكيد ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾: أفادت الآيتان بقاء اسم الإيمان مع البغي ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾: بعد أن عرفتهم أُخْوَّتكم ﴿ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ ﴾: كوفد بني تميم ﴿ مِّن قَوْمٍ ﴾: كفقراء المسلمين ﴿ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ﴾: عند الله تعالى، والقوم للرجال إلاَّ في التغليب، وخصَّ الجمع لأن السخرية منهم غالبا ﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ ﴾: تعيبوا ﴿ أَنفُسَكُمْ ﴾: بعضكم بعضا، واللَّمر: الطعن باللسان، أو لا تفعوا ما تستخفونه ﴿ وَلاَ تَنَابَزُواْ ﴾: لا يدعوا بعضكم بعضا يما يكرهه، والنَّبْرُ عرفا: سوء اللقب ﴿ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ﴾: الصفة ﴿ ٱلْفُسُوقُ ﴾: من السخرية واللمز والنبز ﴿ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ ﴾: فإنه يأباها أو أراد تهجين نسبة الفسق إلى المؤمن ﴿ وَمَن لَّمْ يَتُبْ ﴾: عنه ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾: ذكر ثلاثة أوصاف كل دون الآخر، إذ السخرية: الاستصغار، ثم اللّمْز الذي هو ذكره بعيب فيه، ثم فيه غيبته ثم النبز الذي هو مجرد تسميته.


الصفحة التالية
Icon