لَمَّا حثنا على تسبيحة، أكد ذلك بالإخبار عن تسبيح كل شيءٍ له فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * سَبَّحَ ﴾: خالصا ﴿ للَّهِ ﴾: إنما جاء به في أوائل السور ماضيا ومُضَارعا ومصدرا إشعار بدوام استحقاقه له ﴿ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: جاء بها تغليبا للأكثر ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ الغالب ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾: فيل ملكه ﴿ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي ﴾: بالإنشاء ﴿ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ ٱلأَوَّلُ ﴾: قبل الكل بلا بداية ﴿ وَٱلآخِرُ ﴾: بعده بلا نهاية ﴿ وَٱلظَّاهِرُ ﴾: وجوداً لكثرة دلائله، أو الغالب ﴿ وَٱلْبَاطِنُ ﴾: لا تُدْرك ذاته أو العالم بباطن الكل، والأخيران مؤيدان بالحديث. واعلم أن الأول هو الفرد السابق، فلو قال: أوّل مملوك اشترتيه حُرٌّ، باتشرى عبدين ثم عبدا، لم يعتقوا ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾: فسر مرات ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ ﴾: يدخل ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: كالبذر ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾: كالنبات ﴿ وَمَا يَنزِلُ مِنَ ﴾: جانب ﴿ ٱلسَّمَآءِ ﴾: كالمطر ﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾: كالأعمال ﴿ وَهُوَ ﴾: بعلمه ﴿ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾: فيحازيكم... الآية، سند لأهل التأويل، إذ بدونه تتناقض المعية مع الاستواء ﴿ لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: ذكره مع الإعادة كما ذكره مع الابداء لأنه كالمقدمة لإثباتهما ﴿ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ * يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ ﴾: فيزيده عليه ﴿ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ ﴾: فيزيده عليه ﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ﴾: أي: ما في ﴿ ٱلصُّدُورِ* آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ ﴾: في التصرف ﴿ فِيهِ ﴾: فهو في الحقيقة له، نزل له، نزل في غزوة تَبُوكٍ ﴿ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ ﴾: كعثمان رضي الله تعالى عنه ﴿ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا ﴾: أيُّ: عُذر ﴿ لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ ﴾: ربكم ﴿ مِيثَاقَكُمْ ﴾: حين قال:﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ﴾[الأعراف: ١٧٢] ﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾: بحجة، فهذا أوضح الحجج ﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ ﴾: محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾: القرآن ﴿ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ ﴾: الكفر ﴿ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾: الإيمان ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَمَا لَكُمْ ﴾: بعد إيمانكم في ﴿ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ﴾: يرث ما في ﴿ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: فإنفاقه في حياتكم أولى ﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ ﴾: فتح مكة، او أول الإسلام ﴿ وَقَاتَلَ ﴾: وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه إذ الآية نزل فيه، وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ ﴾: لأن بعد ظهور الإسلام قلت الحاجة إليهما ﴿ وَكُلاًّ ﴾: من الفريقين ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ﴾: المثوبة ﴿ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾: فيجازيكم ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾: أي: ينفق لوجهه رجاء أن يعوضه ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ﴾: إكلى سبعمائة ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾: الجنة غير المضاعفة، اذكر ﴿ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم ﴾: المضئ لبعضهم قدر ما بين صنعاء وعدن، ولبعضهم موضع قدميه بقدر أعمالهم ﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾: وهو نور أعمالهم أو إيمانهم ﴿ وَبِأَيْمَانِهِم ﴾: هو نور يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف، يقال لهم: ﴿ بُشْرَاكُمُ ﴾: أي: المبشر به ﴿ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ ﴾: أي: دخولها ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا ﴾: انتظرونا أو انظروا إلينا، وبقطع الهمزة: أمهلونا لنحلق بكم ﴿ نَقْتَبِسْ ﴾: نستضيء ﴿ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ﴾: لهم استهاء ﴿ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ ﴾: إلى حيث جئتم ﴿ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً ﴾: آخر، إذ لاحظ لكم هنا، فرجعوا ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم ﴾: وبين المؤمنين ﴿ بِسُورٍ ﴾: حجاب ﴿ لَّهُ بَابٌ ﴾: يدخل فيه المؤمنون، وروي أنه سور بيت المقدس ﴿ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ ﴾: الجنة ﴿ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ﴾: جهته ﴿ ٱلْعَذَابُ ﴾: لأنه يلي النار، وعن ابن عباس وأكثر المفسرين أنه يغشى الناس ظلمة في القيامة، ويعطى كل أحد نورا على قدر عمله، ويعطى المنافق نورا خديعة ثم يسلب عنه ﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾: في الأعمال ظاهرا ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾: بالنفاق، أفاد أن البعد الشديد لا يمنع الإدراك فإن الجنة أعلى السماوات والنار في الدرك الأسفل ﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾: بنا الدوائر ﴿ وَٱرْتَبْتُمْ ﴾: في الدين ﴿ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ ﴾: الأطماع ﴿ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾: الموت ﴿ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ﴾: الشيطان ﴿ ٱلْغَرُورُ * فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ ﴾: ناصركم، أوْ متولي أمركم إذ تعطى حياة وعقلا فتغيظ عليهم ﴿ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾: النار، ولما كثر المَزْح والضحك في الصحابة بعد ثلاث عشر سنة من نزول القرآن نزل.