من فعل كل ما يريده وأنه لا ولي لهم سواه: ثم علل لطفه بهم بقوله: ﴿إنه بهم رؤوف رحيم*﴾ والرأفة: شدة الرحمة، فقدم الأبلغ فيقال فيه ما قيل في ﴿الرحمن الرحيم﴾ فالمعنى أنه يرحمهم أعلى الرحمة بإسباغ جلائل النعم ودفع جلائل النقم، ويرحمهم أيضاً بإسباغ دقائق النعم ودفع دقائق النقم، وقيل: الرأفة: إزالة الضر، والرحمة: إيصال النفع، ومادة رأف تدور مع السعة على ما أُشير إليه في سورة سبحان على شدة الوصلة. فالرأفة - كما قال الحرالي في البقرة - عطف العاطف على من يجد عنده منه وصلة، فهي رحمة ذي الصلة بالراحم، والرحمة تعم من لا صلة له بالراحم - انتهى. فتكون الرأفة حينئذ للثابتين والرحمة لمن قارب الزيغ. فيصير الثابت مرحوماً مرتين لأنه منظور إليه بالصفتين، وتقدم عند الحزبين من البقرة ما ينفع هنا.
ولما صرح بالتوبة على من قارب الزيغ وخلط معهم أهل الثبات إشارة إلى أن كل أحد فقير إلى الغني الكبير وليكون اقترانهم بأهل المعالي، وجعلهم في حيزهم تشريفاً لهم وتأنيساً لئلا يشتد إنكارهم، أتبعه التوبة على من وقع منه الزيغ فقال غير مصرح بالزيغ تعليماً للأدب وجبراً للخواطر المنكسرة: ﴿وعلى﴾ أي ولقد