لما دلت التي قبلها على أن الكفار قد صاروا إلى حال لا عبرة بهم فيه ولا التفات ولا خوف بوجه منهم ما دام الحال على المتاركة، كان كأنه قيل: فهل يحصل نصر عليهم وظفر بهم بالمعاركة، فأجاب بهذه السورة بشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين، ولكنه لما لم يكن هذا بالفعل إلا عام حجة الوداع بعد فتح مكة بسنتين كان كأنه لم يستقر الفتح إلا حينئذ، فلم ينزل سبحانه وتعالى هذه السورة إلا في ذلك الوقت وقبل منصرفه من غزوة حنين، فقال تعالى تحقيقاً لأنه ينصر المظلوم ويعلي دينه ويمهل ولا يهمل، فإنه لا يعجزه شيء، حثاً على التفويض له والاكتفاء به، مقدماً معمول «سبح» تعجيلاً للبشارة: ﴿إذا﴾.
ولما كانت المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها، يسوقها إليها سائق القدرة، فتقرب منها شيئاً فشيئاً، كانت كأنها آتية إليها، فلذلك حصل التجوز بالمجيء عن الحصول فقال: ﴿جاء﴾ أي استقر وثبت في المستقبل بمجيء وقته المضروب له في الأزل، وزاد في تعظيمه بالإضافة ثم بكونها اسم الذات فقال: ﴿نصر الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا مثل له ولا أمر لأحد معه على جميع الناس في كل أمر يريده.
ولما كان للنصر درجات، وكان قد أشار سبحانه بمطلق الإضافة