قوله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٣٠) ﴾.
يقول تعالى: واذكر يا محمد: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، أي: قومًا يخلف بعضهم بعضًا، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ﴾. ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، كما فعل الجن؟ ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، أي: نثني عليك وننزهك عما لا يليق بعظمتك وجلالك.
﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. قال قتادة: فكان في علم الله، أنه سيكون في تلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة. وقال ابن عباس: إن أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضًا، قال: فبعث الله إليهم إبليس، فقتلهم إبليس ومن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم فأسكنه إياها، فلذلك قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾. وقال عبد الله بن عمر: وكان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة، فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فيها، فبعث الله جندًا من الملائكة، فضربوهم حتى ألحقوا بجزائر البحور، فقال الله للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. وقال ابن عباس: يقول: إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره.