وَمَا الْحَرْبُ إِلَّا مَا علمْتُم وذتم | وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ |
وَالْمُزَحْزِحُ الْمُبْعِدُ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ الْبَصِيرُ هُنَا بِمَعْنَى الْعَلِيمِ كَمَا فِي قَوْلِ عَلْقَمَةَ الْفَحْلِ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي | بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ |
فَلَا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ | لِيَخْفَى فَمَهْمَا يُكْتَمِ اللَّهُ يَعْلَمِ |
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ | لِيَوْمِ الْحِسَابِ أَو يعجّل فينقم |
عَلِمْتُكَ تَرْعَانِي بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ | وَتَبْعَثُ حُرَّاسًا عليّ وناظرا |
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٩٧ إِلَى ٩٨]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨)
مَوْقِعُ هَاتِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ الْجُمَلِ قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [الْبَقَرَة:
٩١]. وَقَوْلِهِ: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ [الْبَقَرَة: ٩٣]. وَقَوْلِهِ: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ [الْبَقَرَة: ٩٤]. فَإِنَّ الْجَمِيعَ لِلرَّدِّ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُمْ نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا [الْبَقَرَة: ٩١] لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا بِهِ عُذْرًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَهُوَ عُذْرٌ كَاذِبٌ سَتَرُوا بِهِ السَّبَبَ فِي
الْوَاقِعِ وَهُوَ الْحَسَدُ عَلَى نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَجَاءَتْ هَاتِهِ الْمُجَادَلَاتُ الْمُصَدَّرَةُ بِقُلْ لِإِبْطَالِ مَعْذِرَتِهِمْ وَفَضْحِ مَقْصِدِهِمْ. فَأَبْطَلَ أَوَّلًا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُمْ: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا مِنْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَقْبَلُونَ مَا أُنْزِلَ عَلَى رُسُلِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ قَابَلُوا رُسُلَهُمْ أَيْضًا بِالتَّكْذِيبِ وَالْأَذَى وَالْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ وَقَوْلِهِ: قُلْ بِئْسَما إِلَخُُْ.
إِلَى اللَّهِ وَالِدًا.
وَفِيهِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَكُونُ مَوْلُودًا مِثْلَ عِيسَى لَا يَكُونُ إِلَهًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِلَهُ مَوْلُودًا لَكَانَ وُجُودُهُ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَا مَحَالَةَ، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَنْ يُخَصِّصُهُ بِالْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ جُمْلَةِ: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَالِدًا لِمَوْلُودٍ، أَوْ مَوْلُودًا مِنْ وَالِدٍ بِالصَّرَاحَةِ. وَبَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ كُلِّ مَوْلُودٍ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ فَبَطَلَتِ الْعَقَائِدُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَوَلُّدِ الْإِلَهِ مِثْلَ عَقِيدَةِ (زَرَادِشْتَ) الثَّانَوِيَّةِ الْقَائِلَةِ بِوُجُودِ إِلَهَيْنِ: إِلَهِ الْخَيْرِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَهِ الشَّرِّ وَهُوَ مُتَوَلَّدٌ عَنْ إِلَهِ الْخَيْرِ، لِأَنَّ إِلَهَ الْخَيْرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (يَزْدَانَ) فَكَّرَ فِكْرَةَ سُوءٍ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ إِلَهُ الشَّرِّ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (أَهْرُمُنْ)، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى مَذْهَبِهِمْ أَبُو الْعَلَاءِ بِقَوْلِهِ:
قَالَ أُنَاسٌ بَاطِلٌ زَعْمُهُمْ | فَرَاقِبُوا اللَّهَ وَلَا تَزْعُمُنْ |
فَكَّرَ (يَزْدَانُ) عَلَى غِرَّةٍ | فَصِيغَ مِنْ تَفْكِيرِهِ (أَهْرُمُنْ) |
فَلَمَّا أَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى إِلَهِيَّةَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالْفَرْعِيَّةِ وَالتَّوَلُّدِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ.
وَإِنَّمَا نَفْيُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَالِدًا وَأَنْ يَكُونَ مَوْلُودًا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، لِأَنَّ عَقِيدَةَ التَّوَلُّدِ ادَّعَتْ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ مَضَى، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ اللَّهَ سَيَتَّخِذُ وَلَدًا فِي الْمُسْتَقْبل.
[٤]
[سُورَة الْإِخْلَاص (١١٢) : آيَة ٤]
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
فِي معنى التذييل لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ مَضْمُونِهَا لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ صَرِيحَهَا وَكِنَايَتَهَا وَضِمْنِيَّهَا لَا يُشْبِهُهُ فِيهَا غَيْرُهُ، مَعَ إِفَادَةِ هَذِهِ انْتِفَاءَِِ