المبحث السابع عشر: نقط المصاحف وشكلها وتجزئتها وتحسينها
مدخل
...
المبحث السابع عشر: نقط المصاحف وشكلها وتجزئتها وتحسينها
اختلف الدارسون قديمًا وحديثًا في أمر إعجام الكتابة العربية اختلافًا كثيرًا، فمنهم من يرى أن الحروف التي كتبت بها العرب كانت خالية من الإعجام، أي: من النقط والشكل.
ومنهم من يرى أن بعضها كانت له علامات تميزه عن غيره ممن رُسِمَ على صورته من نقط وغيره.
والذي يعنينا هنا تقريره أن المصاحف العثمانية كانت خالية من النقط والشكل إلى منتصف القرن الأول تقريبًا، إمَّا لأن الإعجام لم يكن معروفًا لديهم حين نسخها، وإمَّا أن الصحابة قد تعمَّدوا تجريد مصاحفهم من الإعجام؛ لتكون مشتَمِلَة على الأحرف السبعة التي أُنْزِلَ القرآن عليها، والأخير هو الأصحّ عندي، وهو قول كثير من علماء السلف، وعلى رأسهم أبو عمرو الداني، فقد قال في كتاب المحكم١ وهو يتحدث عن نقط المصحف: "وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات، والفسحة في القراءات التي أَذِنَ الله تعالى لعباده في الأخذ بها، والقراءة بما شاءت منها، فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها".
وردَّدَ ابن الجزري هذا المعنى فقال: "ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- لما كتبوا تلك المصاحف جرَّدُوها من النَّقْطِ والشكل ليحتمله ما لم يكن في العرضة الأخيرة، مما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وإنما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوَّيْن، شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولين المفهومين"٢.

١ ص٣.
٢ النشر ج١ ص٣٣.


الصفحة التالية
Icon