المبحث التاسع والعشرون: خصائص أسلوب القرآن
مدخل
...
المبحث التاسع والعشرون: خصائص أسلوب القرآن
انفرد القرآن الكريم بطريقة سويِّة في تأديه المعاني وإبرازها في قوالب لغوية لا تنافُرَ بين ألفاظها ولا بين حروفها.
إنها طريقة مستقيمة لا عوج فيها، ولا تناقض ولا اختلاف، تسلك بالناس مسالك الهدى من غير تكلُّف ولا اعتساف، وتأخذ بتلابيب عقولهم إلى التأمُّل والنظر في الحجج الساطعة التي يأتي بها الواقع المشاهَد، بحيث لا يسع أحد إنكاره أو المراء فيه، إلّا من سفه نفسه، وألغى عقله، وتخلى عن فطرته التي فطره الله عليها.
فأسلوب القرآن في الإقناع ممتِع، يملك على المؤمنين أفئدتهم، فتلين وتخشع من خشية الله، وتستنير بنور الإيمان الذي يزداد كلما تُلِيَت آياته بتدبُّر وتبصُّر.
قال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ ١.
ولهذا الأسلوب القرآني خصائصه الفنية، وسماته البلاغية، ولطائفه اللغوية، وسوانحه العقلية، وتأثيره الخاص في النفوس السوية، وفي النفوس الجامحة أيضًا.
وله جمال يعرف ولا يوصف، فمهما قيل فيه فهو أسمى وأرفع من أن تحيط بكنهه العقول، أو تعبِّر عنه ألسنة المتكلِّمين أو أقلام الكاتبين.
ولكن لا بُدَّ أن ندلي بدلونا المتواضع مع أولئك الذين سبقونا إلى الحديث المستفيض عن هذه الخصائص والسمات، واللطائف والسوانح، فنتكلم عنها من خلال كلامهم، ونشهد معهم بما شهدوا به على طلاوة أسلوب القرآن وجلاله، بعد أن ذقنا شيئًا من حلاوة ألفاظه، وعرفنا شيئًا عن سلامة منطقة، وبراعة تعبيره، ودقة تصويره، وروعة بيانه.