المبحث الثلاثون: إعجاز القرآن
مدخل
...
المبحث الثلاثون: إعجاز القرآن
ما من نبيٍّ أرسله الله إلى أمَّة من الأمم إلّا أيده بمعجزة تكون برهانًا قاطعًا، وحجَّة ساطعة على صدقه فيما يبلغ عن ربه -عز وجل.
وغالبًا ما تكون معجزته من جنس ما نبغ فيه قومه، مبالغة في التحدي، وإمعانًا في التعجيز.
ولما كان العرب من أرقى الأمم في الإفصاح والبيان، جاءت معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- عقلية لغوية، ليكون التحدي بها قائمًا على العدل والإنصاف، فلا يقول قائل منهم: تحدانا الله بما لا نجيده ولا نعرفه ولا نألفه.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: $"ما من الأنبياء نبي إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا" أخرجه البخاري.
وكل معجزة ذهبت بذهاب صاحبها، إلّا معجزة القرآن الكريم، فإنها باقية ما بقي الدهر، والتحدي بها قائم، لكل من أنكر رسالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن رسالته عامة، ورسالة الأنبياء من قَبِلِه كانت خاصة محدودة بأمة معينة -كما هو معلوم.
وكانت لمحمد -صلى الله عليه وسلم- بجانب هذه المعجزة الكبرى معجزات أخرى، نبعت من روحه وحسِّه وخلقه، أهَّلته لهذه الرسالة الخالدة، وجعلت كل من رآها فيه أو رأى شيئًا منها يسلِّمُ بصدقه في دعوته من أعماق قلبه، مع معجزات أخرى حسية رأتها الأعين، وسمعتها الآذان، ولكن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي فاقت جميع المعجزات على الإطلاق.
فاتسع مجال البحث فيها، واستمرَّ الدارسون في كشف وجوه الإعجاز ومناحيه حتى هذا العصر، ولم يصلوا إلى منتهى يقفون عنده، ولن يصلوا؛