٤- قراءات يحتملها الرسم صحيحة في اللغة، ولكن لم يقرأ بها:
ثم أترك هذه المناقشة إلى أدلة أخرى تلقم المعاندين الحجر، وتقيم الحجة بأن القراءة سنّة متبعة، جرت على الرواية والأثر، وأغلب هذه الأدلة قراءات يحتملها الرسم، كما أنها صحيحة في اللغة، نطق بها العرب، وجرت على ألسنتهم في نثرهم، ولكنها مع ذلك لم يقرأ بها؛ لأنها لم ترد، ولم يكن لها سند صحيح يعتدّ به من نقل أو رواية.
فأولًا: أننا نجد حرفًا يتكرر في القرآن الكريم برسم واحد لا يختلف السور التي ورد فيها، ومع ذلك نجد القرّاء يختلفون في قراءته في بعض المواضع، ويتفقون فيها على البعض الآخر، فلو كان رسم المصحف سببًا من أسباب الاختلاف ما كان اتفاقهم على: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ ١ و ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ ٢ من المِلْك لا من المُلْك على حين يختلفون في ﴿مَالِكِ ٣ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فتقرأ بإثبات الألف وإِسقاطها٤، مع أن رسم الكلمات: مالك يوم الدين، ومالك الملك٥، وملك الناس في المصحف، واحد غير مختلف.
وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم، وقراءات القراء في كثرة ظاهرة:
فهم يختلفون في إِفراد الريح وجمعه في مواضع أشارت إليها كتب القراءات٦، كما أشارت إِلى أن حمزة يفرد الريح في كل المواضع إلاّ التي في الفرقان، والكسائي إلا في الحجر، ونافعًا يجمع الجميع، والعربيين: "أبا عمرو وابن عامر" إِلا في إِبراهيم والشورى، وابن كثير في البقرة، والحجر، والكهف، والشريعة٧ مع أن الرسم واحد في الجميع، ولم يقع الخلف٨ إِلا في الحجر.
٢ س ١١٤، آ ٢.
٣ س ١، آ ٤.
٤ انظر: القراءات لابن مجاهد.
٥ انظر المقنع: ص٨٨.
٦ انظر النشر: ٢/ ٢٢٣.
٧ البحر المحيط: ١/ ٤٦٧.
٨ المقنع: ص١-١٥.