سورة عبس
يقول الحق جلّ جلاله: ﴿عَبَسَ﴾ أي: كلح ﴿وتَوَلَّى﴾ ؛ أعرض ﴿أن جاءه﴾ أي: لأن جاءه ﴿الأعمَى﴾، وهو عبد الله ابن أمِّ مكتوم، وأمُّ مكتوم: أمُّ أبيه، وأبوه: شريح بن مالك بن ربيعة الفهري، وذلك أنه أتى رسولَ الله ﷺ وعنده صناديد قريش، عُتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرُهم، فقال: يا رسول الله، علِّمني مما علمك الله، وكرر ذلك، وهو لا يعلم تشاغله ﷺ بالقوم، فَكَرِه رسولُ الله ﷺ قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت، فكان رسول الله ﷺ يُكرمه، ويقول إذا رأه: " مرحباً بمَن عاتبني فيه ربي "، ويقول: " هل لك من حاجة "، واستخلفه على المدينة مرتين.
ولم يُواجهه ـ تعالى ـ بالخطاب، فلم يقل: عبستَ وتوليتَ؛ رفقاً به وملاطفة؛ لأنَّ مواجهة العتاب من رب الأرباب من أصعب الصعاب، خلافاً للزمخشري وابن عطية ومَن وافقهما. و " أن جاءه ": علة لـ " تولَّى "، أو " عبس "، على اختلاف المذهبين في التنازع، والتعرُّض لعنوان عماه إمّا لتمهيد عذره في الإقدام على قطع كلامه عليه السلام بالقوم،


الصفحة التالية
Icon